الكَوْن والقُرآن
محمّد علي حسن الحلّي
يبحث في علم الفلك
فضيلة الشيخ محمّد علي حسن الحلّي
الفصل الأوّل : في إنشاء الأجرام وتكوينها
1 - السماوات الغازية
شكل رقم 1 – الشمس وكواكبها
[خطأ الفلكيّين حول النجيمات 1 ]
[خطأ الفلكيّين والجيولوجيّين حول أصل الأرض ]
شكل رقم 2 : فرّارة الأطفال في الأعياد
سبب دوران الكواكب السيّارة حول الشمس
سبب اختلاف مدّة الكواكب السيّارة حول الشمس
سبب اقتراب سيّار نحو الشمس وابتعاد آخر عنها
شكل رقم 3 القوّة الدافعة تدفع الجرم الكبير أكثر من الصغير
شكل رقم 4 القمر في الليلة الثالثة من الشهر
شكل رقم 5 : تقاطيع القمر
شكل رقم 6 : أبٌ يلاعب طفلته
ملحوظة [حول الصوَر الملتَقَطة للمرّيخ ]
لقاء مرتقب بين سكّان الأرض وسكّان الكواكب الأخرى
[خطأ الفلكيّين حول النجيمات 2 ]
[خلق آدم ]
[ أ – مذنّب الساحل الأمريكي الشرقي ]
[ ب – مذنّب تونگوسكا في سيبريا ]
[ خطأ الفلكيّين في حساباتِهم حول المرّيخ ]
[ خطأ الفلكيّين في حساباتِهم حول المشتري ]
التفسير للآية في سورة النور : 43
[ خطأ الفلكيّين حول المدّ والجزر ]
شكل رقم 7 : المدّ والجزر
الفصل الثاني : في تهديم الأجرام وتبعثرها
[ خطأ الفلكيّين حول البقع الشمسية ]
[ وقوف عطارد عن دورته المحوريّة ]
[ وقوف عطارد والزهرة عن دورتِهما المحوريّة ]
[ القسم في القرآن ]
شكل رقم 8 : الشمس تنفجر وتكون 19 قطعة
س : ، س : 1 ، س :2 ، س :3 ، س :4 ، س :5 ، س :6 ، س :7 ، س :8 ، س :9 ، س :10
س :11 ، س :12 ، س :13 ، س :14 ، س :15 ، س :16 ، س :17 ، س :18 ، س :19 ، س :20 ،
س :21 ، س :22 ، س :23 ، س :24 ، س :25 ، س :26 ، س :27 ، س :28 ، س :29 ، س :30 ،
س :31 ، س :32 ، س :33 ، س :34 ، س :35 ، س :36 ، س :37 ، س :38 ، س :39 ، س :40 ،
س :41 ، س :42 ، س :43 ، س :43 أ ، س :44 ، س :45 ، س :46 ، س :47 ، س :48 ، س :49 ، س :50
(رقم الإيداع 1005 في المكتبة الوطنية – ببغداد لسنة 1985)
مقدّمة الطبعة الأولى والثّانية
بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم
الحمد لله الذي خلق الأمم ، وعلّم الإنسان ما لم يعلم ، وأنزل القرآن جامعاً للعلوم والحكم ، والسلام على محمّد سيّد العرب والعجم .
أمّا بعد فإنّي قد استعنتُ بالله على تأليف هذا الكتاب ، فهداني ربّي إلى طريق الصواب ؛ وجاهدتُ فيه بقدر إمكاني ، فهداني ربّي إلى جناني .
وقد قسّمت كتبي إلى أربعة أجزاء ، فجعلت الأوّل منها في بحث الأجرام السماويّة كالشمس والقمر والنجوم والكواكب السيّارة وسمّيته (الكون والقرآن) ، وجعلت الثاني في بحث الأرواح والملائكة والجنّ والحشر والنشر وسمّيته (الإنسان بعد الموت) ، وجعلت الثالث في (الردّ على الملحدين) ، وأمّا الرابع جعلته فيما يشتبه على الإنسان من آيات القرآن الّتي لا يعلم تأويلها إلاّ الله وسمّيته (المتشابه من القرآن) ، ويلحقه تفسير القرآن بأكمله وسمّيته (حقائق التأويل في الوحي والتنزيل) وسنطبعه عن قريب إن شاء الله .
محمّد علي حسن الحلّي
مقدّمة الطبعة الثالثة
بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم
الحمد لله الملك الغفّار ، الذي له مقاليد السماوات والأرض وهو يجير ولا عليه يجار ، وبهِ نستعين وعليه نتوكّل وهو وليّ الصالحين والأبرار ، نحمده حمداً كثيراً لما هدانا ووفّقنا لسبيلٍ يقينا من النار .
أمّا بعد .. فمرّةً أخرى وبفضلٍ من الله وحسن تدبيره تخرج إلى النور الطبعة الثالثة من كتابنا (الكون والقرآن) ، ولا يسعني بهذه المناسبة إلاّ أن أقدّم اعتذاري وأسفي الشديدين إلى أعزّائي القرّاء الذين كانت لهفتهم قويّة ورغبتهم ملحّة ومتزايدة على مرّ الأيّام في طلب نُسخ من هذا الكتاب في الوقت الذي كنت عاجزاً عن تلبية رغبتهم هذه ... ولا أخفي على قرّائي الكرام من أنّني قد استنفذت كلّ ما أملك من مال وعقار في سبيل الدعوة إلى الله من خلال مؤلّفاتي الّتي اتّسمت بنهجها العلمي والعقلي وبما تميّزت بهِ من وضوح وفهم وحقيقة ، ولكنّ إقبال الناس على هذه المؤلّفات وتزايد الطلب عليها كانا أكبر من إمكانيّاتي المادّية فتعثّر موضوع طباعتها وما زال الأمر كذلك حتّى هيّأ الله سبحانه وتعالى لهذا الكتاب شابّاً مؤمناً محسناً أحبّ الله فأحبّه الله فهداه فتولّى طباعة هذا الكتاب على نفقته الخاصّة فجزاه الله خير الجزاء ...
وبِهذه المناسبة أيضاً فإنّي أهيب بكل الذين لديهم إمكانيّات مادّية وكذلك دور الطباعة والنشر داخل القطر وخارجه وكلّ محسن يريد ويرجو ثواب الآخرة أن يتقدّم لطبع أيّ كتاب من مؤلّفاتي المعروفة والمثبّتة أسماؤها في نهاية هذا الكتاب وسيجدني إن شاء الله متسامحاً كريماً معه لا أبتغي من وراء ذلك مالاً ولا جاهاً إلاّ رضوان الله تعالى .
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
محمّد علي حسن الحلّي
13 صفر 1398 هِج
تقريض
وافى البشيرُ منادياً بمؤلَّفٍ ضمّت صحائفُه البيانَ منسَّقا
كَشَفَ المصنِّفُ فيهِ سترَ حقائقٍ كانت مخبّأةً فصارَ مصدِّقا
فَسَما بهِ فوقَ السَّماكِ مُباهياً ورَقا بهِ العَليا فَنِعمَ المُرتَقَى
ولِمُحكَماتِ الذِّكرِ جاءَ موضِّحاً مستنبِطاً ما خاضَ سِفراً واسْتَقى
إن أشغَلَ الغربُ المراصِدَ باحِثاً وأجالَ طَرْفاً في الفضاءِ وحَدَّقا
فَمحمّدٌ أوحى إليهِ جنانُهُ وبِثاقِبِ الرأيِ اسْتَطالَ وحَلّقا
فَأراهُمُ أنباءَ ما كانُوا بِهِ يَستهزِؤونَ وبِالدّلائلِ حَقّقا
لا يَبتغي نَشَباً ولكنْ خِدمةَ الأوطانِ والحسَناتِ يومَ المُلتَقى
هذي دلائلُ فَضلِهِ أرّخْتُهُ فَالكونُ والقرآنُ بُرهانُ التُّقى
187 389 258 532 = 1366
مرتضى آل وهّاب – كربلاء
كنت أسكن في الحلّة التي هي لواء من ألوية العراق ، ولي حانوت في الشارع العام في الجانب الكبير قرب المدرسة المتوسطة للبنين ، ومهنتي فن التصوير ،فكان أكثر تلاميذ المتوسطة والثانوية يأخذون عندي تصاويرهم التي يحتاجون إليها لشهاداتِهم ، وكنت أسمع من بعضهم كلمات إلحاد وكفر فيسوءني ذلك ويؤلمني ، وكان بعضهم يسأل عن آيات متشابهات من القرآن مستهزئاً بِها ، وما ذلك إلاّ لجهلهم بالقرآن وعدم معرفتهم بتفسيره ، وإليك بعض تلك الأسئلة .
س: درسنا في المدرسة بأنّ السماء هي الفضاء وليس فوقنا طبقات مادّية صلبة ؛ إذاً كيف يقول الله تعالى : {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا . وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} سورة نوح 15-16 ؟
س: درسنا بأنّ المطر بُخارٌ يرتفع من الأرض ثمّ ينزل مطراً بسبب برودة الجو؛ إذاً كيف يقول الله تعالى {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ...إلخ } سورة الرعد : 17 ؟
س: درسنا بأنّ الشمس ثابتة والأرض تدور حولَها ؛ إذاً كيف يقول الله تعالى : {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} سورة يــس : 38 ؟
فكانت أسئلتُهم من هذا القبيل ، فوددتُ أن أصنّف كتاباً في هذا الموضوع فيكون ردّاً على الملحدين وهادياً للجاهلين ، فسألتُ اللهَ أن يساعدني على تأليف هذا الكتاب ، ويرشدني إلى طريق الصواب ، فجاهدتُ في الله بقدر إمكاني ، فوفّقني لخدمته وهداني ، كما قال تعالى في كتابه المجيد : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} سورة العنكبوت : 69 ، فأحمده إذ أعطاني الخير الكثير وسهّل لي كلّ عسير .
محمّد علي حسن الحلّي
في إنشاء الأجرام وتكوينِها
نبتدئ أوّلاً في ذكر السماء لأنّها بيت الأجرام ومنها المبتدأ وإليها المنتهى .
يظنّ بعض الناس أنّ السماء طبقة صلبة مادّية تملأ الفضاء وهي سبع طبقات ، بعضها من ياقوتة حمراء والأخرى من درّة بيضاء والأخرى من زبرجدةٍ خضراء وهلمّ جرّاً . وأقول إنّ السماء هي الفضاء لا غير ؛ فقوله تعالى {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً} يعني أنزل من الفضاء ماءً ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة سبأ {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُو الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} ، فقوله تعالى {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} يدلّ على أنّ السماء ليست بطبقة مادّية صلبة ، ولو كانت صلبة لقال : وما يعرج إلَيها، أي يصعد حتّى يصل إليها ، ولكنّه تعالى قال {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} والمعنى كلّما صعد فهو في السماء من مبدأ صعوده حتّى يصل المكان الّذي يريده . ونظير هذه الآية في سورة الحديد وهي قوله تعالى {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُو مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، وقال تعالى في سورة الروم {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء} ، فلو كانت فوقنا طبقة صلبة لقال : فيبسطه تحت السماء كيف يشاء . وقال تعالى في سورة الأنعام {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}، وقال تعالى في سورة الإسراء {أَو يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَو تَرْقَى فِي السَّمَاء}، فقوله تعالى : {أَو تَرْقَى فِي السَّمَاء } دليل على أنّ السماء هي الفضاء ، فلو كانت فوقنا طبقة مادّية صلبة لقال : أو ترقى إلى السماء ، ومن ذلك قول جرير:
فَلَنَحْنُ أكرمُ في المنازلِ منزلاً منكمْ وأطولُ في السماءِ جِبالا
يعني : وأطول في الفضاء جبالا .
فإذاً كلّ لفظة "سماء" في القرآن مفردة معناها الفضاء ، وأمّا إذا كانت على الجمع فلها معانٍ أخرى ، وسنشرح ذلك على التفصيل فيما يلي بعون الله تعالى .
قلنا فيما سبق أنّ كلّ لفظة (سماء) تأتي في القرآن على الإفراد يريد بِها الفضاء ، وأقول إنّ الفضاء ليس فارغاً من شيء بل فيه طبقات غازيّة وأثيريّة وأجرام مادّية ، فكلّ لفظة (سماوات) تأتي في القرآن على الجمع يريد بِها إحدى هذه الثلاث ، وسنشرح كلاً منها عل التفصيل بعون الله تعالى .
http://science.nasa.gov/headlines/images/ozone2000/Layers.jpeg
إعلم أنّ الأرض كانت شَمساً في بدء تكوينها وهي جرم ملتهب تنبعث منها غازات تملأ فضاءها ، ولَمّا انتهت حياتها برد وجهُها فاستحالت أرضاً ، ثمّ انفجرت فصارت تسع قطع وأخذت تدور حول شمسٍ جديدة. وليس المراد هما البحث عن الأرض بل البحث عن السماوات الغازيّة وسنشرح فيما بعد عن تكوين الأرض على التفصيل ، فإذا عرفتَ أنّ الأرضَ كانت ملتهبة علمتَ أنّ كلّ جرمٍ ملتهب يخرج منه سنان ودخان أي غازات ، ولا تزال الغازات تنبعث من الأرض حتّى يومِنا هذا وأكثر خروجِها يكونُ من البراكين وآبار النفط ، وتخرج أيضاً من الينابيع مع المياه المعدنيّة ، وإليك ما جاء في بعض الصحف عن الغازات :
" الغاز الطبيعي : يُقدَّر الغاز المنبعث من مدينة (فندلي) بولاية (أوهايو) من أمريكا في كلّ بوم ستّون مليون من الأقدام المكعّبة ، ومن غيرها من المدن المجاورة أربعون مليون ، وأكثر هذا الغاز يستخدم في الأعمال النافعة بدل الوقود ، وحالَما شاع أمر الغاز الطبيعي أخذ الناس يتفلسفون في أصله وما يؤول إليه استخراجه من الأرض ، فقال بعضهم : إنّ الأرض مجوّفة وجوفها مملوء بِهذا الغاز وهو علّة تعليقها في الجو، فاستخراجه منها شديد الخطر لأنّها إذا فرغت منه تصدّعت وتحطّمت ووقعت من مكانِها في السماء ." انتهى .
[ المعلّق –
الإنتاج العالمي الكلّي للغاز الطبيعي :
"بلغ الإنتاج العالمي الكلّي سنة 2000 ( 3 ,2422) بليون متر مكعّب . وبلغ نمو الإنتاج 4.3% بزيادة ملموسة عن المعدّلات السنوية للسنوات 1990-2000 "
http://r0.unctad.org/infocomm/anglais/gas/market.htm#production
وظلّ الإنتاج العالمي الكلّي ينمو بزيادةٍ مضطردة سنةً بعد أخرى ؛ ففي سنة 2006 بلغ 2779.8 بليون متر مكعّب ."
"ويتوقّع أن يزداد الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي في السنوات القادمة نتيجة الاستكشافات الجديدة والمشاريع التوسعية توقعاً للحاجات المستقبلية المتنامية ."
" ويتوقّع ازدياد استهلاك الغاز الطبيعي في عموم العالم من 100 تريليون قدم مكعب في 2004 إلى 163 تريليون قدم مكعب في 2030 ."
http://www.eia.doe.gov/oiaf/ieo/nat_gas.html
انتهى ]
فالسماوات الغازيّة منشؤها من الأرض وهي تملأ فضاءها وكذلك الكواكب السيّارة كلٌّ منها له سبع طبقات غازيّة ، قال الله تعالى في سورة الطلاق {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} والمعنى : الله الذي خلق سبع طبقات أثيريّة في قديم الزمان ثمّ خلق الأرض وخلق من الأرض سبع طبقات غازيّة .
والطبقات الغازيّة هي الزرقة التي نراها في السماء ، وأمّا الطبقات الأثيريّة فلا نراها لأنّ الأثير لا تراه المخلوقات المادّية ولكن تراه المخلوقات الروحانية .
فمنشأ السماوات الغازيّة من الأرض وذلك لَمّا كانت شمساً ملتهبة وكان خروج الغازات منها على هيئة دخان إلاّ أنّه خليط من سبعة غازات ، ومن المعلوم أنّ الغازات منها الثقيل والخفيف فأخذت تنفصل بعضها عن البعض ، لأنّ الثقيل ينزل إلى أسفل والخفيف يرتفع إلى أعلى فصارت سبع طبقات ، فالطبقة الأولى هي غاز الأوزون وتبعد عنّا بمسافة 25 ميلاً [راجع كتاب (الكيمياء من خلال أنبوبة اختبار) تأليف هارن ، الفصل الثالث صحيفة 30 ] ثمّ تليها طبقات من غازات أخرى كثاني أوكسيد الكبريت والهيدروجين والهليوم وغير ذلك من الغازات الخفيفة ، وهذا على التقدير ولا يمكننا معرفة تلك الغازات على الصحة حيث أنّنا على الأرض والغازات في السماء .
والدليل على أنّ السماء غازيّة قوله تعالى في سورة السجدة أو فصلت {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا إلخ } فقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} يعني سماء الأرض {وَهِيَ دُخَانٌ} يعني الدخان الذي خرج من الأرض وهو خليطٌ من سبعة غازات {فَقَالَ لَهَا} أي للسماء {وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا} إلى قوّة الجاذبية {طَوْعًا أَوكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ} أي فصلهنّ وجعلهنّ {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} يعني فصل ذلك الدخان وجزّأه حتّى صار منه سبع طبقات {فِي يَوْمَيْنِ} أي في مدّة ألفَي سنة من سنيّ الدنيا ؛ لأنّ اليوم الواحد من أيّام الآخرة مقابل ألف سنة من سنيِّنا كقوله تعالى في سورة الحج {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}.
وقال تعالى في سورة البقرة {هُو الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي سوّاهنّ سبع طبقات غازيّة بعد أن كانت طبقة واحدة من دخان .
فالسماوات الغازيّة يأتي ذكرها في القرآن على ثلاثة أنواع :
1. فتارةً يأتي ذكرها مع الأرض إلاّ أنّه لا يجمع بينهما واو عطف بل كلمة أخرى تفصل بينهما كقوله تعالى في سورة مريم {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازيّة لأنّه فصل بين كلمة "السماوات" وبين كلمة "الأرض" بثلاث كلمات وهي قوله {يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ} ثمّ ذكر الأرض ، وقال أيضاً في سورة لقمان {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ..إلخ } فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازيّة لأنّه فصل بين ذكر "السماوات" وذِكر "الأرض" بخمس كلمات وهنّ قوله {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي} ثمّ ذكرَ "الأرض" . وقال تعالى في سورة لقمان أيضاً {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ..إلخ} فإنّه تعالى فصل بيت ذكر "السماوات" وذِكر "الأرض" بكلمتين وهما قوله {وَمَا فِي} .
2. وأمّا القسم الثاني فإنّه يأتي ذكرها بعد ذكر الأرض ، كقوله تعالى في سورة طـه {تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} ، فالسماوات يريد بِها الطبقات الغازيّة حيث جاء ذكرها بعد ذكر "الأرض" ، وقال تعالى في سورة فاطر{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ .. إلخ} فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازيّة لأنّه جاء ذكرها بعد ذكر "الأرض" ، وقال تعالى في سورة الزمر {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فهكذا كلّ ذكرٍ للسماوات في القرآن يأتي بعد ذكر الأرض فإنّه تعالى يريد به الطبقات الغازيّة .
3. وأمّا القسم الثالث فإنّه يأتي ذكرها وحدها بلا ذكرٍ للأرض معها ، ومثال ذلك قوله تعالى في سورة المؤمنون {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} فالطرائق يريد بِها الطبقات الغازيّة ومن سكنَها وهم الجنّ . وعلى هذا النهج يأتي ذكر السماوات الغازيّة في القرآن . هذا إذا كان على الجمع بلفظة "سماوات" ، وأمّا إذا جاء ذكرها على الإفراد بلفظة "سماء" فإنّه تعالى يريد بِها الطبقات الغازيّة أو الفضاء سواءً أكانت مقرونة بذكر الأرض أو غير مقرونة ، ولا فرق أيضاً أن يأتي ذكر "السماء" قبل ذكر "الأرض" أو بعدها ، ففي الحالتين يريد بِها الطبقات الغازيّة ولكن بشرط أن يكون على الإفراد ، ومثال ذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ..إلخ } فالسماء هنا يريد بِها الطبقات الغازيّة ، وقال تعالى في سورة يونس {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ .. إلخ } ، وقال تعالى في سورة غافر{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء .. إلخ } فالسماء هنا يريد بِها الطبقات الغازيّة .
ولربّ سائلٍ يسأل فيقول : إذا كانت الغازات تنفصل عن بعضها البعض وتكون طبقات ، فإنّ الهواء خليط من عدّة غازات وأهَمّها الأوكسجين والنتروجين فكيف لا تنفصل هذه الغازات على مرّ السنين وتكون طبقات ؟
ج :
وللجواب على ذلك نقول : إنّ ذلك ناتج عن الرياح المحرّكة لَها ، ولولا الرياح وتحريكها لتلك الغازات لأخذت تنفصل عن بعضِها وأصبحت طبقات ، فالطبقات الغازيّة التي سبق الكلام عنها تكون فوق طبقة الأوكسجين أي فوق الهواء ولا توجد هناك رياح لتحريك تلك الغازات وخلط بعضِها ببعض ، ومثال ذلك المياه : فالجاري منها يكون عكراً والراكد منها يكون صافياً . قال الله تعالى في سورة البقرة {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فبيّن سبحانه أنّ السحاب يكون بين السماء والأرض ، فالسماء موقعها من السحاب فصاعداً ، وأمّا الهواء فموقعه من السحاب فنازلاً ، فالرياح تابعة للأرض وليس للسماء .
السماوات الأثيريّة سبعة أيضاً ولكن إذا صار يوم القيامة تكون ثمانية ، وهنّ مستمرّاتٌ على الازدياد ، لأنّ كلّ أرضٍ تتكوّن تنشأ خلالَها طبقة أثيريّة ، فإذا تمزّقت تلك الأرض عند قيام قيامتِها فإنّ الطبقة الأثيريّة تنفصل منها وتلتحق بتلك السبعة الأثيريّات ، على أنّ تكوين هذه السبعة لم يكن دفعة واحدة بل تكوّنت بتمزيق سبع مجاميع شمسيّة على التوالي ، لأنّ كلّ سماء من هذه السماوات وليدة مجموعة شمسيّة بذاتِها ، ولذلك تكون يوم القيامة ثمانية ، قال الله تعالى في سورة الحاقة {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} يعني ثماني سماوات أثيريّة تحمل العرش يوم القيامة ، أمّا اليوم فتحمله سبع سماوات . ونحن نتكلّم عن السماوات الأثيريّة لابدّ أن نُعرِّف الأثير ، فما هو الأثير ؟
لقد عرف علماء عصرنا الأثير وحقّقوه وقالوا أنّه يملأ الفضاء ولولا وجوده لما دارت الكواكب السيّارة في أفلاكها بل لسقطت في الفضاء على رغم القوّة الجاذبيّة ، لأنّ الأثير هو الحامل لِهذه الأجرام ، قال الله تعالى في سورة يــس {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ، فالسبح لا يكون إلاّ في شيءٍ سائل أو ما يماثله من هواء أو غاز أو غير ذلك ، فالأجرام السماويّة كلّها سابحة في الأثير ، والأثير شفّاف كالهواء وذرّاته أدقّ من ذرّات الهواء بكثير فلذلك لا تراه المخلوقات المادّية ولا تلمسه ، بل تراه المخلوقات الأثيريّة وتلمسه ، وهي الملائكة والنفوس البشريّة ، والأثير يشغل كلّ فراغ ويتخلّل مسام المادّيات ويَخترق الزجاج فيبني هيكلاً أثيرياً داخلَها يُطابق شكلَها بمدّة أربعين يوماً ، فإذا تحطّم الهيكل المادّي فإنّ الأثيري لا يتحطّم ولا يفنى إلى الأبد حيث تماسكت ذرّاته في هذه المدّة ولا تعود تتفكّك بعد ذلك ، فإناء الخزف مثلاً تتخلّله ذرّات الأثير فتبني داخله إناءً أثيرياً على شكله ، ولا فرق بين إناء الخزف والنحاس في ذلك ولا فرق بين الأواني والأمتعة والحلي والأشجار والنبات وغير ذلك من المادّيات لأنّ كلّ شيءٍ مادّي فيه مسامات ، فالأثير يدخل في تلك المسامات فيبني شكلَها ، قال الله تعالى في سورة الكهف {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ..إلخ } فقوله تعالى {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} يعني الأساور الأثيريّة الّتي تكوّنت داخل أساور ذهبيّة ، ولو قصد سبحانه بذلك نفس الأساور الذهبيّة لقال : يحلّون فيها أساور ذهبيّة ، ثمّ قوله تعالى {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ} يعني ثياباً أثيريّة نشأت من ثياب سندسيّة . وقال تعالى في سورة الحـج {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} ، وقال تعالى في سورة الواقعة في ذمّ المكذِّبين {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ . لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} يعني من شجر أثيري نشأ من شجر الزقّوم الذي في الدنيا ، والزقّوم نوع من الشوك .
فإذا علمت أنّ كلّ سماء أثيريّة وليدة مجموعة شمسيّة علمت أيضاً بأنّ سبع مجاميع شمسيّة سبقت مجموعتنا وهذه الثامنة ، وتعلم بأنّ ثماني شموس سبقت شمسنا وهذه التاسعة ، لأنّ كلّ شمسٍ تنتهي حياتها تكون أرضاً جديدة .
فالسماوات الأثيريّة يأتي ذكرها في القرآن على قسمين :
1. فتارةً يسبق ذكرها ذكر الأرض ، على شرط أن لا يكون بينَهما واو عطف ،
2. ومرّةً يأتي ذكرها بلا ذكرٍ للأرض معَها ،
ومثال ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ .. إلخ }، فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الأثيريّة حيث سبق ذكرها ذكر الأرض ولم يجمع بينَهما واو عطف . وقال تعالى في سورة المؤمنون {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الأثيريّة حيث لم يقرنْها بذكر الأرض بل قرنَها بذكر العرش ، لأنّ العرش فوق السماوات الأثيريّة . وقال في سورة النجم {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} ، فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الأثيريّة حيث لم يأتِ ذكر الأرض معها بل جاء ذكر الملائكة ، وبيّن سبحانه أنّ السماوات هذه هي التي تسكنُها الملائكة . وقال تعالى في سورة الطلاق {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ .. إلخ } ، فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الأثيريّة حيث جاء ذكرها قبل ذكر الأرض ولم يجمع بينَهما واو عطف ، والتقدير : الله الذي خلق سبع سماوات أثيريّة في قديم الزمان ثمّ خلق الأرض وخلق من الأرض سماوات غازيّة ، فإنّ الله تعالى خلق السماوات الأثيريّة قبل أن يخلق الأرض بملايين السنين كما بيّناه ، وقد جاء في الزبور : المزمور الثامن والستّين تسبيحة لداود قال: " يا ممالك الأرض غنّوا رنِّموا للسيِّد ، سلاه الراكب على سماء السماوات القديمة .. إلخ " ، فالسماوات القديمة يريد بِها الطبقات الأثيريّة ، و"سماء السماوات" يريد بِها العرش لأنّ العرش فوق السماوات الأثيريّة . وأمّا قوله {يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} "الأمر" كناية عن المخلوقات الروحانيّة ، والمعنى : تتنزّل المخلوقات الروحانيّة بين الطبقات الأثيريّة والغازيّة ، والمخلوقات الروحانية هي الملائكة والجنّ والنفوس البشرية أي الأرواح ، وسنشرح عنها في الجزء الثاني [ الإنسان بعد الموت] على التفصيل .
فالسماوات الأثيرية هي الجنان التي تسكنها النفوس الصالحة يوم القيامة ، واليوم هي مسكن الملائكة ، وهي التي تحمل العرش ، وهي المكنّى عنها بالكرسي في قوله تعالى في سورة البقرة {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} ، وقد جاء في إنجيل متي في الإصحاح الخامس قال عيسى لتلاميذه (فإنّي أقول لكم إنْ لم يزدْ برّكم على الكتبة والفريسيّين لن تدخلوا ملكوت السماوات) يعني لن تدخلوا الجنان ويريد بذلك السماوات الأثيريّة .
ويكون موقع السماوات الأثيريّة في الفضاء حيث أنّ ساكنيها لا يَرَون فيها شمساً ولا زمهريراً .
ذكرنا هنا قسطاً عن السماوات الأثيريّة وسنذكر قسطاً آخر عند ذكر الجنان في الجزء الثاني [الإنسان بعد الموت] والله الهادي للصواب .
العرش طبقة أثيرية أيضاً وموقعه فوق الجنان أي فوق السماوات الأثيريّة ، فهنّ الحاملات للعرش ، وهو أصغر منهنّ ، قال الله تعالى في سورة الحاقة {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} والمعنى : يحمل عرش ربّك فوق أهل المحشر ثمانية سماوات أثيرية ، لأنّها اليوم سبعة فإذا صار يوم القيامة تكون ثمانية ، والثامنة وليدة أرضنا . وقال تعالى في سورة المؤمن {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا .. إلخ } فالذين يحملون العرش هم الملائكة وليس المراد بحمله حقيقياً بل يحملونه معنوياً ، فكما أنّنا نحمل السماء أي الطبقات الغازية لأنّها فوقنا كذلك سكّان السماوات الأثيريّة يحملون العرش لأنّه فوقَهم ، والمعنى أنّ الملائكة الذين هم تحت العرش ومن هم حول العرش كلّهم يسبِّحون بحمد ربِّهم ..إلخ ، وقوله تعالى {وَمَنْ حَوْلَه ُ} دليل على أنّ العرش أصغر من السماوات الأثيريّة ، وقال تعالى في سورة الزمر{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فقوله تعالى {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} دليل على أنّ العرش أصغر من السماوات الأثيريّة .
س : تقول أنّ العرش طبقة أثيرية ، إذاً فما معنى قوله تعالى في سورة هود {وَهُو الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء .. إلخ } ؟
ج : يعني قبل أن يخلق الخلق كان عرشه على الماء حيث لم يكن في ذلك اليوم سماوات أثيرية ، ولَمّا خلقَها بالتدريج جعلَ عرشَه عليها ، والماء كان بخاراً في ذلك اليوم منتشراً في الفضاء كما هي الحالة اليوم في الأمطار ، لأنّ المياه تتبخّر من الأرض وترتفع في السماء ثمّ تكون ماءً وتنزل مطراً ، فالعرش في ذلك اليوم كان فوق البخار المنتشر في الفضاء ، ولَمّا خلق الله السماوات الأثيريّة صارت تحت العرش فحملته .
والعرش أوّل طبقة أثيريّة تكوّنت من أوّل أرضٍ خلقها الله تعالى ، ولم يكن في ذلك اليوم تحت العرش سوى البخار الذي عبّر الله عنه بالماء ، ولَمّا خلق الله أرضاً ثانيةً تكونّت منها طبقة ثانية أيضاً فصارت تحت العرش ، وهكذا الثالثة والرابعة حتّى أصبحت سبع سماوات أثيريّة تحت العرش . قال الله تعالى في سورة المؤمنون {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } .
http://pds.jpl.nasa.gov/planets/
( شكل رقم 1 )
الشمس وكواكبها
نقصد بالسماوات المادّية الكواكب السيّارة ، وإنّما ذكرناها بهذا الاسم حيث سبق أن ذكرنا عن السماوات الأثيريّة ، والأثير غير المادّة ، وذكرنا عن السماوات الغازية أيضاً ، والسيّارات ليست بغازية بل هي أجرام صلبة ، فلذلك ذكرناها بلفظة "مادّية" وإن كانت الاثنتان من المادّة .
فالسماوات المادّية هنّ المعروفات بعطارد والزهرة والمرّيخ والمشتري وعددها تسعة [ بضمنِها الأرض وكوكب النجيمات المتمزّق] ويأتي ذكرهنّ في القرآن مع ذكر الأرض ، فكلّ آيةٍ في القرآن يأتي فيها ذكر السماوات مقرونة بذكر الأرض يريد بِها الكواكب السيّارة ، ولكن على ثلاثة شروط :
أوّلاً : أن يكونَ ذكر السماوات قبل ذكر الأرض ،
ثانياً : أن يكون ذكر السماوات مقروناً بذكر الأرض مباشرةً ،
ثالثاً : أن يجمع بينهما واو عطف ؛
فإذا كانت الآية مستوفية هذه الشروط الثلاثة فإنّه تعالى يريد بِها الكواكب السيّارة ، ومثال ذلك قوله تعالى في سورة الأحقاف {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ..إلخ } فَهذه الآية استوفت الشروط الثلاثة ، فالسماوات هنا يريد بِها الكواكب السيّارة ، وإنّما خصّ الأرض بالذكر ولخّص ذكر السيّارات الباقية بلفظة "سماوات" لأنّ الخطاب لأهل الأرض ، ولو خاطب سبحانه أهل المرّيخ لَقال : ما خلقنا السماوات والمرّيخ إلاّ بالحقّ ، وكذلك لو خاطب أهل الزهرة لَقال : : ما خلقنا السماوات والزهرة إلاّ بالحقّ ، وأمّا قوله تعالى {وَمَا بَيْنَهُمَا} يعني الأقمار والنيازك لأنّها واقعة ما بين السيّارات ، فكلّ آية في القرآن فيها ذكر السماوات على هذا النهج يريد بِها الكواكب السيّارة . قال الله تعالى في سورة الأنبياء {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} فالسماوات هنا يريد بِها السيّارات ، والدليل على ذلك قوله {وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} فاستثنى "مَن عنده" عن "من في السماوات والأرض" ، و"مَن عنده" يريد بِهم الملائكة لأنّهم في السماوات الأثيريّة تحت العرش . وقال تعالى في سورة الشورى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُو عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} فالسماوات هنا يريد بِها السيّارات ، والدليل على ذلك قوله تعالى {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ} فالسماوات الأثيريّة ليس فيهنّ دواب وكذلك الغازيّة ، وإنّما الدوابّ في السماوات المادّية وهنّ السيّارات . وقال تعالى في سورة النمل {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ .. إلخ } فالسماوات هنا يريد بِها السيّارات والدليل على ذلك قوله تعالى {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاءً} فبيّن أنّ "السماء" غير "السماوات" حيث فصل كلمة "السماء" عن "السماوات" ، فالسماء يريد بِها الفضاء أي الطبقات الغازيّة ، والسماوات يريد بِها السيّارات حيث قرَنَها بالأرض ، والمعنى السماوات التي هي من جنس الأرض . وقال أيضاً في سورة النمل {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} فالسماوات هنا يريد بِها الكواكب السيّارة والدليل على ذلك قوله تعالى {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}فإنّ الملائكة لا تموت ولا تبعث لأنّها مخلوقات أثيرية وإنّما البعث للمادّيين الذين يسكنون السيّارات ، إلى هنا تمّ الكلام عن منهج السماوات ، والله هو الوليّ الحميد .
كلّ آية يأتي فيها ذكر الأرض قبل السماوات : يريد بالأرض كلّها ، أي الكواكب السيّارة كلّها ، ومثال ذلك قوله تعالى في سورة الزمر{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } فالأرض هنا يريد بِها كلّها أي الكواكب السيّارة كلّها . وكذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} فالأرض هنا يريد كلّها ، أي الأرض التي تقطّعت كلّها ، وهي الكواكب السيّارة لأنّها كانت أرضاً واحدةً فتمزّقت وصارت كواكب كثيرة .
كلّ لفظة "كوكب" تأتي في القرآن يُراد بِها أحد الكواكب السيّارة لا غير ، وذلك كقوله تعالى في سورة الأنعام {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ } فالكوكب هنا يريد به الزهرة رآها إبراهيم مساءً . وقال تعالى في سورة يوسف {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} فالكواكب يريد بِها السيّارات ، وإنّما رآها أحد عشر لأنّ إخوته كانوا أحد عشر . وقال عزّ من قائل في سورة الانفطار {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} فالكواكب يريد بِها السيّارات خاصّةً ، ومعناه : وإذا السيّارات تمزّقت وانتثرت أجزاؤها في الفضاء ، ويكون ذلك يوم القيامة .
س 2 : تقول إنّ السماء معناها الفضاء ، إذاً فما معنى قوله تعالى في سورة الذاريات {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} ، وقال تعالى في سورة غافر {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ .. إلخ } ؟
ج : البناء هو جمع الشيء وشدّ بعضه إلى بعض ، يقال "البنّاء يبني الجدار" أي يجمع الأحجار ويشدّ بعضَها إلى بعض بالجصّ ، كقوله تعالى في سورة الصف {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} أي كأنّهم في اجتماعِهم وتعاضدِهم ، فالبناء يريد به الاجتماع والتراصف ، ومن ذلك قول حسّان :
بنيتُ عليكَ أبياتاً صِلاباً كأمر الوسقِ قفّصَ بالشظاظِ
أي جمعت ورتّبت عليك أبياتاً ، وقال عنترة :
ويبني بحدّ السيفِ مجداً مشيّداً على فلكِ العلياءِ فوقَ الكواكبِ
أي يجمع بحدّ السيف ، وقالت الخنساء :
ولا يُبعدنّ اللهُ صخراً فإنهُ أخو الجودِ يبني الفِعالَ العوالِِيا
وأمّا اليد من قوله تعالى {بِأَيْدٍ} يريد بِها الأيادي والفضل ، ومن ذلك قول عنترة :
ولولا يدٌ نالَتْهُ مِنّا لأصبحَتْ سِباعٌ تهادي شلوهُ غير مُسنَدِ
وقالت الخنساء :
والجود والأيدي الطوالُ المستَفيضاتُ السوامِعُ
وقال الأعشى يمدح النبيّ (ع) ويخاطب ناقتهُ :
متى ما تُناخي عندَ بابِ ابنِ هاشمٍ تُريحي وتَلقَيْ مِن فواضلِهِ يدا
والسماء يريد بِها الطبقات الغازيّة ، والمعنى : والغازات جمعناها وراصفناها بفضلٍ منّا ورحمة بِهم إذ لو تركنا هذه الغازات على وجه الأرض لَتعذّر عليهم العيش بل لَماتوا اختناقاً ولكن رفعناها برحمتِنا وراصفناها بِفضلِنا فجَعلْنا الأوكسجين والنتروجين فوق الأرض وكوّنا منهما الهواء وجعلناه لاستنشاقِهم ولفوائد كثيرة ، ورفعنا الغازات الخانقة والتي تضرّ بِهم رحمةً مِنّا وفضلاً ، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} بالنِّعم على العباد ، أي : وإنّا لَنا الأيادي على العباد بسعة النِّعم والأرزاق كقوله تعالى في سورة النحل {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}.
س 3 : فما معنى قوله تعالى في سورة الرعد {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا .. إلخ} ؟
ج : إنّ العرب إذا أرادت نصب البيوت التي هي من شعر الأنعام طرحت الأعمدة على الأرض ووضعت فوقها البيوت ، ثمّ تثبِّت الأوتاد في الأرض ، ثمّ تسحب الحبال من الجهة الأخرى فترتفع الأعمدة ويرتفع البيت معها .
وهذا مثلٌ ضربه الله تعالى ، والمعنى يقول عزّ مِن قائل : إنّ بيوتكم على صغرها وانخفاضها لا ترتفع إلاّ بالأعمدة ، وإنّ السماوات على سعتِها وارتفاعها رفعها بغير أعمدة بل صنعَها بحكمةٍ ورفعَها بقدرةٍ ، لا حاجة له إلى معين .
س 4 : فما معنى قوله تعالى في سورة الحـج {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ؟
ج : "السماء" يريد بِها الطبقات الغازيّة ، والمعنى : إنّ الله يمسك الطبقات الغازيّة لئلاّ تنزل إلى الأرض فتُهلكَ الناس لأنّها خانقة ومضرّة بالصحّة ، والدليل على ذلك قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }، والمعنى : إنّ الله من رحْمتِه بكم جعل تلك الغازات الخانقة والسامّة خفيفة الوزن لكي ترتفعَ في السماء لئلاّ تضرّ بكم ، إلاّ قبلَ يومِ القيامة فإنّها تنزل إلى الأرض ، وذلك قوله تعالى {إِلَّا بِإِذْنِهِ} أي إلاّ قبلَ يوم القيامة فإنّه تعالى يأذن لَها بالوقوع فتقع على الأرض ويختلط بعضها في بعض بسبب اختلال نظام الكون فتكون كالدخان حيث كان مبدأها من الدخان، وذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }
س 5 : فما هذا الاختلاف في لفظة "السماوات" فتارةً يريد بِها الطبقات الغازيّة وطوراً يقصد بِها الكواكب السيّارة ؟
ج : كلّ شيءٍ علاك فهو سماء ، فكلّ مرتفع يُطلَق عليه لفظة "سماء" ، ومن ذلك قول عنترة :
سموتُ إلى عِنانِ المجدِ حتّى علَوتُ ولم أجِدْ في الجو ساعِ
وقال امرؤ القيس :
سما بِكَ شَوقٌ بعدَ ما كان أقصَرا وحَلّتْ سُلَيمَى بَطنَ قَوٍّ فَعَرعرا
وقال عنترة :
سَمَوتُ إلى العُلا وعَلَوتُ حتّى رأيتُ النّجمَ تحتِي وهو يَجرِي
http://solarsystem.nasa.gov/planets/index.cfm
الكواكب تستمدّ ضياءها من الشمس . والعين المجرّدة ترى عطارد والزهرة والمرّيخ والمشتري وزحل . وأدركها القدماء لأنّهم رأوها تسير في رقعة السماء بالنسبة لِسائرِ نُجومِها ، ولِهذا أسمَوها بالكواكب السيّارة . وكشف علماء الفلك عن أورانوس عام 1780 ميلاديّة ونبتون عام 1848 وبلوتو عام 1930 . فالكواكب تسعة منها الأرض ومنها كوكب النجيمات الذي تمزّق وصار نجيمات تدور حول المرّيخ والمشتري ، ومن هذه النجيمات ما طوله ميل أو ميلان . واكتشف الفلكيّون أقماراً لِزحل والمشتري والمرّيخ وأورانوس ونبتون ، ويَعتقِد علماء الفلك أنّ بلوتو كوكب سيّار ، وأنا أقول أنّه تابعٌ إلى نبتون وليس هو كوكب بالأصل .
الكواكب تدور حول الشمس ، في أفلاكٍ خاصّةٍ بِها ، على أبعاد مختلفة عنها ، ويوم الكوكب هو الزمن الذي يستغرقه الكوكب في إكمال دورتِهِ حولَ نفسِه ، وسنته هي الزمن الذي يستغرقه في إكمال دورته حول الشمس . وسنة الأرض 365,25 مِن الأيّام .
وللكواكب توابع تدور حولَها كما تدور هي حول الشمس ، وتابع الأرض الوحيد هو القمر . ولا تابع لعطارد والزهرة . وتكثر التوابع للكواكب البعيدة عن الشمس لأنّها أكبر حجماً من الكواكب القريبة من الشمس . فالمرّيخ لَهُ تابعان (قمران) ، وللمشتري 12 تابعاً [ أُحصِيَ له لحدّ الآن 63 تابعاً منها 4 أقمار كبيرة ]، ولِزحل عشرة [ أُحصِيَ له لحدّ الآن 34 تابعاً] ، وامتاز زحل بحلقاته ، والمعتَقَد أنّها جُسيمات صغيرة (نيازك) تدور حولَه كما تدور التوابع . ولأورانوس خمسة توابع [ أُحصِيَ له لحدّ الآن 27 تابعاً] ، ولنبتون تابعان [ أُحصِيَ له لحدّ الآن 13 قمراً وإذا حسبنا بلوتو وغيره يكون العدد أكبر] .
أجواء الكواكب لا تختلف عن جو الأرض ، أمّا أرضنا فجوّها معروف أكثره النتروجين والأوكسجين ، وبِهِ ثاني أوكسيد الكاربون وبخار الماء ، وغازات أخرى قليلة المقدار .
الكواكب تستمدّ الضوء والحرارة من الشمس . والجانب الذي لا تناله أشعّة الشمس يكون مظلماً وبارداً . والكواكب القريبة من الشمس تكون شديدة الحرارة ، أمّا الأرض فالحرارة فيها معتدلة . وكلّما ابتعد الكوكب عن الشمس تهبط درجة الحرارة فيه ؛ فالمرّيخ أقلّ حرارةً من الأرض ، وهكذا كلّما كان الكوكب بعيداً عن الشمس تكون البرودة على سطحه أكثر .
بِملايين الأميال
(عن ملحق مجلّة العربي وهديّتها "الشمس وكواكبها")
عطارد |
36 |
مليون ميل |
الزهرة |
67 |
مليون ميل |
الأرض |
93 |
مليون ميل |
المرّيخ |
141,5 |
مليون ميل |
المشتري |
483 |
مليون ميل |
زحل |
886 |
مليون ميل |
أورانوس |
1783 |
مليون ميل |
نبتون |
3793 |
مليون ميل |
إنّ الكواكب السيّارة أراضٍ كأرضِنا هذه ، وفيهنّ جبال وبحار وأنهار وأشجار وبساتين وغير ذلك مِمّا في أرضنا ، وفيهنّ حيوانات وأنواع البشر يعقلون ويعبدون الله ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الروم {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}، وقال تعالى في سورة الرعد {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ*} ، وقال تعالى في سورة الإسراء {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .. إلخ}، وقد سبق القول بأنّ السموات والأرض يريد بِها الكواكب السيّارة ، وقال عزّ من قائل في سورة مريم {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا .}، وقال تعالى في سورة المؤمنون {وَلَو اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ .. إلخ }، وقال تعالى في سورة النــور {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. إلخ } ، وقال تعالى في سورة النمل { أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } فالخبء يريد به النبات لأنّ الحبّة تختبئ في الأرض ثمّ تخرج زرعاً . وقال عزّ وجلّ في سورة الشورى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُو عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} ، وقال تعالى في سورة الرحمن {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُو فِي شَأْنٍ}، وقال تعالى في سورة الحشر { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ، وكثيرٌ من الآيات غير ما ذكرناه تدلّ على أنّ السيّارات مسكونة .
صورة لبلوتو و چارون بواسطة تلسكوب هابل الفضائي (عن ناسا)
http://antwrp.gsfc.nasa.gov/apod/ap990213.html
س 6 : يقول الفلكيّون أنّ بلوتو يدور حول الشمس بعكس دورة السيّارات ، فهل يصحّ ذلك ؟
ج : أقول إذا كان بلوتو من الكواكب السيّارة فينبغي أن يكون أكبرها حجماً لأنّه أبعدها عن الشمس ، وينبغي أن يدور حول الشمس كما تدور السيّارات من اليمين إلى الشمال فكيف تكون دورة بلوتو بعكس ذلك ؟ وهذا خطأ واضح حيث أنّ سبب دوران السيّارات حول الشمس ناتج عن دوران الشمس حول نفسها فتسحب السيّارات معها بواسطة الجاذبيّة التي فيها فكيف صار بلوتو شاذاً عن باقي السيّارات ؟
ثمّ إذا كان حجم بلوتو بقدر نصف حجم الأرض فإذاً هو من الأجرام التابعة للكواكب السيّارة ، ولو كان من الكواكب نفسها لكان موقعه بين عطارد والزهرة لأنّه أكبر من الأوّل وأصغر من الثاني فكيف يكون من الكواكب السيّارة وهو أبعدها عن الشمس على أنّ حجمه نصف حجم الأرض ، وأمّا تعليل دورته فهو يدور حول نبتون كما يدور القمر حول الأرض ولمّا كانت دورة الأرض حول نفسها أسرع من دورة القمر حولَها فإنّنا نرى القمر يدور من الشمال إلى اليمين فكذلك رؤية الفلكيّين لبلوتو ولكنّ الحقيقة عكس ذلك .
[خطأ الفلكيين حول "النجيمات" 1]:
فإنّهم أخطأوا في بلوتو كما أخطأوا في النجيمات حيث قالوا أنّها كواكب سيّارة تدور حول الشمس .
نعم كانت "النجيمات" كوكباً واحداً فتمزّق فأصبحت تلك القطع من التوابع ، والتوابع تدور حول السيّارات لا حول الشمس .
صورة للنجيم 951 گاسپرا بواسطة المركبة الفضائية گاليلو (عن ناسا)
http://photojournal.jpl.nasa.gov/catalog/?IDNumber=pia00118
وكان ذلك الكوكب مسكوناً فكفر سكّانه وطغوا وظلموا فمزّق الله كوكبَهم وانتقم منهم ، قال الله تعالى في سورة الملك {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} ، والمعنى : أأمنتم عذاب الله وسطوته ؟ ألا تخافون أن يمزّق أرضكم كما مزّق أرضاً مسكونةً من قبلكم فأصبحت تلك القطع تمور في الفضاء أي تسبح في الفضاء لم يبق فيها أحد من تلك الأحياء وكذلك تكون أرضكم إذا مزّقَها .
فلو صحّ أنّها تدور حول الشمس ما بين مدار المرّيخ والمشتري فيجب أن تكون من ذوات الذنب لا كوكب سيّارة ، وهي أجرام ناريّة ملتهبة .
إعلم أنّ الكواكب السيّارة مع الأرض كانت قطعة واحدة أي أرضاً واحدة ، ثمّ تشقّقَت فصارت تسع قطع ، فإحدى تلك التسع هي أرضنا ، وأمّا الثمانية الباقية فهي عطارد والزهرة والمرّيخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون وكوكب "النجيمات" الذي تمزّق . وتلك الأرض كانت شمساً في قديم الزمان ولمّا انتهت حياتُها برد وجهها فصارت أرضاً، ثمّ انفجرت فصارت تسع قطع وأخذت هذه القطع تدور حول شمس جديدة .
إذاً السيّارات من جنس أرضنا وتكوينها مع تكوين أرضنا ، وفيهنّ من الجبال والبحار والأشجار والأحياء كما في أرضنا ، وتقوم قيامتهنّ دفعة واحدة ، لأنّ السيّارات مجذوبات للشمس فإذا انتهت حياة الشمس حينئذٍ تكون أرضاً جديدة حيث يبرد وجهها ثمّ تتشقّق كما تشقّقت أرضنا من قبلها، وكذلك سيّاراتها تتمزّق معها . قال الله تعالى في سورة الأنبياء {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، فقوله تعالى {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} يعني كانت شمساً واحدة فشقّقناها وجعلناها قطعاً كثيرة ، لأنّ الرتق ضدّ الفتق ، وقال تعالى في سورة الأنعام {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .. إلخ } ، فقوله تعالى {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} يعني مشقِّقهما ومقطِّعهما بعد ما كانت قطعة واحدة ، فالفطر هو الشقّ ، ومن ذلك قول الخنساء :
فبل على صخرٍ صخرَ الندى وما انفطرَ القلبُ حتّى تعزَّى
وقال امرؤ القيس :
بَرَهْرَةٌ رَودةٌ رَخصةٌ كخرعوبةِ البانةِ المنفطر
وقال الله تعالى في سورة الأنعام عن لسان إبراهيم {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، وقال تعالى في سورة الإسراء عن لسان لقمان {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} ، فالخرق هو الشقّ ، والمعنى : إنّك لن تشقّ الأرض فتتكبّر وتمشي مرحاً ، بل الله هو الذي شقّقها وجعلَها سيّارات تدور حول الشمس . وقال تعالى في سورة الطارق {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} ، فالصدع هو الشقّ ، ومن ذلك قول الشاعر اليماني :
أم أينَ ذو الشِّعبَينِ أصبحَ صدعُهُ لمْ يلتئمْ لِمثقَّفِ الأقداحِ
وقالت الخنساء :
إنّي تذكّرتُه والّليلُ معتكِرٌ فَفي فؤاديَ صدعٌ غيرُ مشعوبِ
وقال الأعشى :
وباتتْ وقد أورَثَتْ في الفؤادِ صدعاً على نأيِها مستطيرا
كصدعِ الزجاجةِ ما يستطيعُ كفّ الصّناعِ لَها أنْ تحيرا
فقوله تعالى {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ } هذه صفة للأرض بأنّها ذات الصدع أي من صفتها التصدّع ، فإنّها تصدّعت في بدء تكوينها وسوف تتصدّع عند منتهى حياتها، ويكون ذلك يوم القيامة . فهذه الآيات كلّها تدلّ على أنّ السيّارات والأرض كانتا قطعة واحدة فشقّقها وجعلَها قطعاً كثيرة ، ويتشقّقنَ يوم القيامة أيضاً .
س 7 : إذا كانت السيّارات أراضي كأرضنا وفيها أحياء ومياه ونبات وجبال وغير ذلك ، إذاً لماذا نراها صغيرة الأحجام فلا يتجاوز حجم إحداهنّ بيضة دجاجة ؟
ج : لا يخفى على كلّ عاقل بأنّ الأجرام كلّما ابتعدت عنّا نراها صغيرة وكلّما اقتربت نراها أكبر حجماً ، فكذلك الكواكب السيّارة نراها صغيرة لبعده عنّا . ولو كان أحدنا في المرّيخ أو غيره من الكواكب السيّارة لرأى الأرض كأنّها كوكب مضيء .
س 8 : إذا كانت الكواكب السيّارة أراضي كأرضنا ، إذاً فما هذا الضياء الذي فيها .
ج : إنّ السيّارات مع الأقمار والنيازك ليس فيها ضياء ، ولكنّ الضياء يأتيها من الشمس ، كالمرآة إذا وضعت في الشمس ، فهذه الأجرام فيها مياه وأحجار ورمال فإذا وقعت عليها أشعّة الشمس أخذت تضيء كما تضيء المرآة ، وهذا شيءٌ معروف عند الفلكيّين ولا ينكره أحد من العلماء .
[خطأ الفلكيّين والجيولوجيّين حول أصل الأرض ]
يقول بعض الفلكيّين أنّ الأرض مع باقي السيّارات تساقطت من الشمس على هيئة شرارات ثمّ بردت على مرِّ السنين وصارت أراضي . وأقول هذه النظريّة خطأ حيث – [أوّلاً :] لو كانت شرارات كما يزعمون إذاً لَما اقتصرت على تسع ، بل لَكان شررُها متّصلاً على مرّ السنين . ثانياً : ينبغي أن تكون شراراتها متساوية في الأحجام أو متقاربة على الأقلّ ، فلماذا نرى عطارد أصغر من الأرض بينما المشتري يقدّرونه أكبر من الأرض (1350) مرّة ( وأنا أقول بقدر الأرض اثنتي عشرة مرّةً لا أكثر ) . ثالثاً : ينبغي أن تكون الشرارة مستطيلة لا كرويّة ، رابعاً : إنّ الشرارة لا تدور حول نفسِها بل تسبح في الفضاء ، فكيف تكون السيّارات بعكس ذلك؟ ثمّ إنّ الأجرام الساخنة الملتهبة تكون فيها قوّة جاذبة وتكون في حركة مستمرّة ، أي أنّها تدور حول نفسِها من اليمين إلى الشمال ،فالشمس بسبب دورانِها حول نفسِها وبسبب جاذبيّتِها لا يمكن أن تنفصل منها كتل إلى الفضاء فتكون سيّارات لأنّ الجاذبيّة التي فيها [ تجعلها] محتفظة بحجمِها ، ثمّ دورانُها حول نفسِها يمنع انفصال كتلة منها .
وأقول إنّ الأرض لم تنفصلْ من شمسِنا الحاليّة بل هي مع باقي السيّارات كانت شمساً واحدةً غير شمسنا الحاليّة ، ولَمّا انتهت حياتُها أخذ وجهها يبرد شيئاً فشيئاً وبمدّة ألفَي سنة تكوّنت لَها قشرة باردة فصارت أرضاً ، ومن المعلوم أنّ الشمس تنبعث منها غازات مدى حياتِها ، ولَمّا تكوّنت لَها قشرة أرضيّة عند برودة وجهِها ، منعت تلك القشرة خروج الغازات فصارت تجتمع في جوفِها وتضغط القشرة الباردة لتلك الشمس ، ولَمّا زاد الضغط انفجرت فصارت تسع قطع ، ولَمّا كان في الفضاء شموس أخرى انجذبت تلك القطع إلى أقرب شمس لَها وأخذت تدور حولَها ، وبعد مرور السنين بردَ وجه تلك القطع تماماً فصارت أراضي ، وخلق الله تعالى فيهنّ أحياءً وجبالاً ومياهاً وأشجاراً وغير ذلك ، فأرضنا واحدة من تلك القطع التسع ، وشمسنا منهجها كمنهج ما مضى قبلَها من الشموس .
والشمس التي انتهت حياتُها كانت لَها سيّارات أيضاً ، ولكن لَمّا تشقّقت تمزّقت سيّاراتُها معها فصارت نيازك . وكذلك سيّاراتنا الحاليّة فإنّها ستتمزّق وتكون نيازك وذلك حين تتشقّق شمسنا الحاليّة .
والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا .. إلخ }، وقال عزّ من قائل في سورة فصلت {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ .. إلخ } فقوله تعالى {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } يعني في ألفَي سنة لأنّ اليوم الواحد من أيّام الله تعالى يقابل ألف سنة من أيّامنا ، وقد جاء في الزبور – المزمور التسعون صلاة لموسى قال : "أنت الله ترجع الإنسان إلى الغبار وتقول ارجعوا يا بني آدم ، لأنّ ألف سنةٍ في عينيك مثل يومٍ " ، والخلقة هي الاستحالة من شيءٍ إلى شيءٍ آخر، فقوله تعالى{خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } يعني أحالَها إلى أرضٍ بعد ما كانت شمساً ، وذلك بمدّة ألفَي سنة وهذه المدّة التي برد فيها وجه تلك الشمس التي انتهت حياتها ، وأمّا قوله تعالى {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا} الرواسي هي الجبال ، وذلك لَمّا تشقّقت تلك الشمس التي صارت أرضاً أخذت النيازك تتساقط عليها فصارت جبالاً ، فأكثر الجبال التي على وجه الأرض أصلها نيازك ، وأمّا قوله تعالى {وَبَارَكَ فِيهَا} أي زاد في حجمها وذلك بعدّة أشياء :
أوّلاً – أخذت القشرة الأرضيّة تزداد برودتُها شيئاً فشيئاً ،
ثانياً – سقوط النيازك زاد في حجمِها ،
ثالثاً – سقوط الذرّات عليها (وهي الذرّات التي نراها في أشعّة الشمس إذا دخلت في الغرفة من النافذة) ومنشأ هذه الذرّات من نيازك تناثرت أجزاؤها في الفضاء بعد أن قامت قيامتُها ،
رابعاً – الفلزّات زادت بحجمِها باتّحادها مع العناصر الأخرى ، مثلاً : الأوكسجين يتّحد مع الحديد فيزيد في حجمه وينتج من ذلك أوكسيد الحديد ؛ وثاني أوكسيد الكاربون يتّحد مع الكلس مكوّناً كاربونات الكالسيوم ؛ والنتروجين يتّحد مع الصوديوم والبوتاسيوم مكوّناً نترات الصوديوم ونترات البوتاسيوم . وهكذا تتّحد الغازات مع أكثر الفلزات فتزيد أحجامها ، وبذلك أخذ جرم الأرض يزداد بمرور السنين والدهور . وأمّا قوله تعالى {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} أي أنزل المياه عليها وخلق النبات والأشجار والحيوان وجعلَها رزقاً لِلإنسان ، والمعنى : قدّر أن تكون هذه الأشياء رزقاً لِلإنسان إذا خلقَه على الأرض ، فإنّه تعالى خلقَ الأشياء وأعدّها لِإنسان قبل أنْ يخلقَ الإنسان عليها كما خلقَ الثديَين لِلمرأة قبل أن يخلقَ الجنين في بطنِها ، وأمّا قوله تعالى {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} معناه خلقَ كلّ ذلك في مدّة أربعة آلاف سنة فصار المجموع ستّة آلاف سنة ؛ حيث تمّت برودة الأرض بمدّة ألفَي سنة كما قال تعالى في سورة السجدة {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ .. إلخ } ، فالسماوات والأرض يريد بِها السيّارات .
ونظير هذه الآيات قوله تعالى في سورة النازعات {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا . وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا . وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا .أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا . وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا . مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} ، وإنّما أضاف اللّيل والنهار إلى السماء بقوله {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} لأنّ أشعة الشمس تضرب على الطبقات الغازيّة فتعكسها الغازات إلى الأرض ، وقوله {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} أي زاد في قشرتِها الباردة ، ولا تزال هذه الكلمة مستعملة عند العرب إذ يقول لصاحبه : "إملأ الكيس دقيقاً وادحيه " ، أي زدْ عليه من الدقيق حتّى يمتلئ تماماً ، ومن ذلك قول أميّة بن أبي الصلت :
دارٌ دحاها ثمّ أعمرَ بابَها وأقام بِالأخرى التي هي أمجدُ
ومعناه : دارٌ ملأها بالأمتعة والأطعمة ثمّ سدّ بابها وأقام بالأخرى التي هي أحسن منها ، وقال تعالى في سورة ق {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} ، فقوله تعالى{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} أي مدّها بالمياه والذرّات والغازات وبذلك زاد حجمها ، وهذه نظير قوله {وَبَارَكَ فِيهَا} ونظير قوله {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} فالمدَد هو إعطاء الشيء بكثرة على الدوام ، كقوله تعالى في سورة الإسراء {وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} ، وقال حسّان :
ويومَ بدرٍ لقيناكمْ لَنا مَدَدٌ فيرفعُ النصرً ميكالٌ وجبريلُ
وقال عنترة :
فيا لكَ مِنْ قلبٍ توقَّد بالحَشا ويا لكَ مِن دمعٍ غزيرٍ له مدُّ
وقال الله تعالى في سورة الحجر {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} ، وقال تعالى في سورة الرعد{وَهُو الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ .. إلخ }‘ فهذه الآيات متقاربات في المعنى ومختلفات في الألفاظ .
س 9 : قال الله تعالى {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا} ، أليسَت المياه أمطاراً تنزل من السماء ، وإذا كانت الأرض جرماً ملتهباً فكيف تخرج المياه من النار ؟
ج : لا يخفى على مَن درس علم الكيمياء بأنّ الماء مركّب من الأوكسجين والهيدروجين ، وقد قلنا أنّ هذه الغازات انبعثت من الأرض ، وأنّها تتبخّر بحرارة الشمس فترتفع في السماء ثمّ تكون مطراً بسبب برودة الجو وتنزل إلى الأرض ثانيةً .
س 10 : قال الله تعالى في سورة الزمر{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، فما معنى قوله {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا} على أنّ الأرض واحدة ولو فرضنا أنّ في الكون أراضي كثيرة فينبغي أن يقول : والأرضون جميعاً قبضته يوم القيامة ؟
ج : قوله تعالى{وَالْأَرْضُ} يريد بِها السيّارات كلّها ، ولذلك قال {جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، والمعنى أنّ الأرض المتمزّقة التي أصبحت سيّارات كلّها تكون قبضته يوم القيامة . {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} السماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازيّة حيث جاء ذكرها بعد ذكر الأرض . وإليك مثل : لو اشتريت بطّيخة بدرهم وسألك سائل بكم اشتريتها ، فلا يصحّ أن تقول كلّها بدرهم ، لأنّها واحدة ولا حاجة لقولك "كلّها" ، ولكن إذا جزّأتها إلى تسعة أجزاء وسألك أحد : بكم اشتريتها ، فهنا يصحّ أن تقول كلّها بدرهم ، وذلك لئلاّ يتوهّم أنّك اشتريت جزءً منها بدرهم ، فكذلك قوله تعالى {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
س 11 : أليس الملك له والأرض قبضته وتحت تصرّفه في كلّ حين ؟ فلماذا خصّ يوم القيامة بذلك ؟
ج : لأنّه موجودٌ اليوم في الأرض أحياءٌ كثيرون ، فمنهم من يملك داراً ومنهم من يملك عقاراً ، ولكن إذا صار يوم القيامة فلا يبقى مالكٌ للأرض سوى الله ؛ لأنّ الناس كلّهم يموتون في ذلك اليوم ولا يبقى أحد على وجه الأرض ، كقوله تعالى في سورة غافر {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} .
س 12 : قال الله تعالى في سورة يونس {وَلَو شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} فلماذا قال {كُلُّهُمْ جَمِيعًا} وتكفي لفظة "كلّهم" ؟
ج : لفظة "كلّهم" تعود إلى {مَن} ، ولفظة "جميعاً" تعود لِ {الأَرْضِ} ، والتقدير : لآمَنَ كلّ مَن في الأرضين ، أي مَن في السيّارات جميعِها ، كقوله تعالى{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} .
س 13 : تقول أنّ السيّارات أراضٍ كأرضنا منتشرات في الفضاء دائرات حول الشمس ، وبسبب دورانِها تنتج الفصول الأربعة أي الصيف والشتاء والربيع والخريف ، فكيف تدور هذه الأجرام حول الشمس ولا تسقط [: تهرب أو تفلت] في الفضاء ؟
ج : إنّ الشمس لَها قوّة جاذبة تجذب هذه الأجرام فلا تدعها تسقط [: تهرب أو تفلت] ، قال الله تعالى في سورة فاطر{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} ، فقوله تعالى {يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} يعني يمسك السيّارات والأرض بقوّة جاذبيّة الشمس {أَن تَزُولَا} معناها : أن لا تزولا عن الشمس ويتفرّقا في الفضاء {وَلَئِن زَالَتَا} يوم القيامة {إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} يعني : هل يقدر أحد على إمساكها غير الله ؟ وذلك لأنّ السيّارات إذا زالت عن جاذبيّة الشمس فإنّها تتمزّق وتكون نيازك ، ثمّ تنجذب إلى السيّارات الجديدة ، لأنّ شمسنا تتشقّق يوم القيامة وتكون سيّارات ، فلذلك قال تعالى {إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} والمعنى : إنّ السيّارات إذا زالت عن الجاذبيّة وتشقّقت فإنّ الله تعالى يمسك تلك القطع بقوّة جاذبيّة أخرى .
وإنّما تزول السيّارات عن جاذبيّة الشمس يوم القيامة لأنّ الشمس تتشقّق وتنتثر أجزاؤها في الفضاء ، ومن المعلوم إذا تشقّقت فإنّ السيّارات تتمزّق معَها ، وذلك قوله تعالى في سورة الانفطار{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} أي تمزّقت وانتثرت أجزاؤها في الفضاء لأنّها تكون نيازك . وقال تعالى في سورة فصلت أو السجدة {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} فالسماء يريد بِها الطبقات الغازيّة ، وقوله {فَقَالَ لَهَا} أي للسماء {وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا} إلى قوّة الجاذبيّة {طَوْعًا أَوكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} وذلك لأنّ الطبقات الغازيّة مجذوبات للأرض ، أي كلّ سيّار له طبقات غازيّة مجذوبات له أينما سار السيّار فالغازات معه .
س 14 : لماذا يقول الله تعالى {طَائِعِينَ} على الجمع بعد أن قال {قَالَتَا} على التثنية ؟
ج : كلّ لفظة "أرض" تأتي في القرآن غير مقرونة بذكر "السماوات" ولا يجمع بينهما واو عطف فإنّه تعالى يريد بِها السيّارات كلّها ، حيث كانت في بادئ الأمر أرضاً واحدة ثمّ تشقّقت ، كقوله تعالى {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، وقال تعالى في سورة فاطر{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ .. إلخ } ، فالأرض هنا يريد بها كلّها ، وقوله تعالى {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} معناه : أيّ جرمٍ خلقوا منها ؟ فهل خلقوا المرّيخ الذي هو جزءٌ منها أم خلقوا الزهرة أم زحل أم غير ذلك من السيّارات اللاتي هي أجزاء من تلك الأرض التي تقطّعت ؟ {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} الغازيّة فخلقوا معي طبقة الأوكسجين أم النتروجين أم ثاني أوكسيد الكبريت أم غير ذلك من الطبقات الغازيّة ؟
إذا علموا أنّ الله هو الذي خلق السيّارات وخلق الطبقات الغازيّة ، فكيف يعبدون الأصنام ولا يوحِّدون الله في العبادة ؟
والمعنى أنّهما امتثلتا ما أمرَهما الله وتجزّأنَ ثمّ قلنَ {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} . لأنّ الأرض صارت تسع قطع والسماء صارت سبع طبقات ،فهنا صحّ أن يجيبا على الجمع ، والمعنى : ثمّ تجزّأنَ وأجَبْنَ {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ، والمعنى أنّ الله تعالى خاطبهما قبل أن يتجزّءا ، فلذلك قال : {قَالَتَا} . ولمّا كانت الأرض واحدة والسماء واحدة ذكرهما على التثنية {قَالَتَا} وكذلك يريد بذكر السماء قبل أن تتجزّأ .
فقوله تعالى {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوكَرْهًا} دليلٌ على أنّ الله تعالى حكم عليهما بأمرَين : الأوّل انقيادهما للجاذبيّة وكان طوعاً منهما ، فالسماء انجذبت للأرض ، والأرض انجذبت للشمس ؛ والأمر الثاني تجزّؤهما وكان كرهاً لَهما ، فالسماء تجزّأتْ وصارت طبقات والأرض تشقّقت فصارت تسع سيّارات ، فهذا الأمر قبلتاه بالإكراه ولكنّهما امتثلتا أمرّ ربِّهما فلمْ يمتنِعا ولذلك قالتا{أَتَيْنَا طَائِعِينَ} .
س 15 : كيف تستطيع الشمس أن تجذبَ الأرضَ مع باقي السيّارات وقد نراها صغيرة ؟
ج : إنّ الشمس أكبر من الأرض بأضعاف ولكن لبعدها عنّا نراها صغيرة ، لأنّ الأرض مع باقي السيّارات والأقمار كلّا كانت شمساً واحدةً ، ولَمّا انتهت حياتها صارت أرضاً ، ثمّ تمزّقت فكان منها الأقمار والسيّارات ، وقد قدّر الفلكيّون أنّ الشمس أكبر من الأرض بِمليون مرّة .
س 16 : فهل يمكنك أن تعرِّفنا سبب الجاذبيّة التي في الشمس ، فقد قبل للعالِم العصري (لورد كلفين) وهو من أشهر أتباع نيوتن : ما هو سرّ الجاذبيّة ؟ فأجاب : "لا يحقّ للعالِم أن يحاول كشف أسرارها فإنّنا نجهلُها تماماً ولا نعرفُ عنها شيئاً " ؟
ج : سأجيب عن ذلك وأبيِّن سرّ الجاذبيّة بعون الله تعالى ؛ ذلك مِما علّمني ربّي من الكتاب والحكمة وكان فضله عليّ كبيراً .
إعلم أنّ سبب الجاذبيّة هو الحرارة ، وسبب الحرارة هو الحركة (( وإليك هذه التجربة التي تثبت لك صحة ذلك : خذ خرزة كبيرة من الكهرب أو السندروس أومن غير ذلك ، وادلكْها دلكاً متوالِياً على قطعة قماش من الصوف ، تجد الخرزة قد تسخّنت بسبب الحركة المتوالية ، ثمّ ضعْها على قطعة صغيرة من القشّ ترى الخرزة تجذب القشّة ؛ فإنّ الخرزة اكتسبت قوّة جاذبة بسبب الحرارة التي اكتسبتها من الاحتكاك . فحركة الأجزاء التي في جوف الأرض تسبّب الحرارة والجاذبيّة ، وتسبّب دوران الأرض حول نفسِها أيضاً . )) فكلّ جرمٍ حارٍّ فيه جاذبيّة ، وكلّ بارد ليست فيه جاذبيّة ؛ فكلّ جرمَين أحدهما حارّ والآخر بارد يكون بينَهما تجاذب لأنّ الحارّ يجذب البارد ، وإذا اتّفق جرمان باردان فلا يكون بينهما تجاذب ، وكذلك إذا اتّفق جرمان متساويان في الحرارة فلا يكون بينهما تجاذب ، وإذا كان أحدهما حارّاً والآخر أقلّ منه حرارةً فإنّ الجرم الحارّ يجذب الذي أقلّ منه حرارةً .
ولَمّا كانت الشمس جرماً ملتهباً أخذت تجذب ما حول!ها من الأجرام اللاتي أقلّ منها حرارةً وهنّ الكواكب السيّارة . وكذلك الأرض لَمّا كان جوفها ملتهباً أخذت تجذب ما حولَها من الأجرام وهي النيازك والقمر . وكذلك باقي السيّارات فإنّها كالأرض في الحرارة ، فالكلّ جوفه حارّ ملتهب ووجهه بارد ، فلذلك أخذت تجذب ما حولّها من الأجرام الباردة وهي الأقمار والنيازك .
فالشمس إذاً جرمٌ جاذب لأنّها ملتهبة ، والسيّارات مجذوبات لَها حيث هنّ أقلّ منها حرارةً وأصغر حجماً . وهكذا باقي الأجرام السماويّة : كلّ ساخنٍ جاذب وكلّ باردٍ مجذوب .
والدليل على ما ذهبنا إليه التجارب التالية :
1. خذ قِدراً وضع فيه ماءًً وسخّنه لدرجة الغليان ثمّ صبّه في قدرٍ آخر فيه ماءٌ بارد ، ثمّ ضع يدك فيه ترَ الماء الساخن يرتفع فوق الماء البارد ن وسبب ذلك لأنّ الجاذبيّة تعمل في البارد أكثر من الساخن .
2. إغلِ الماء حتّى يتبخّر وانظر البخار كيف يرتفع إلى الأعلى ، ثمّ انظر المطر كيف ينزل إلى الأرض ، أفَلَيسَ البخار والمطر ذرّات مائيّة سابحة في الهواء ؟ فلماذا يرتفع الأوّل نحو الجو وينزل الثاني نحو الأرض؟ والجواب على ذلك هو سخونة الأوّل وبرودة الثاني ، والسبب في ذلك الجاذبيّة إذْ تعمل في البارد أكثر من الساخن .
3. أنظر لهب النار كيف يرتفع إلى الأعلى وكذلك الدخان يرتفع لأنّه ساخن ، لكنّه إذا برد تجمّد على الجدران ثمّ تساقط هباباً .
4. كلّنا يعلم أنّ الزئبق معدن أثقل من الحديد ، فإذا سخّنته إلى درجة 357 م تحوّل بعد الغليان إلى بخار وارتفع كذلك في الجو، فإذا برد عاد سائلاً ونزل إلى الأرض ثانيةً .
وما هذه إلاّ دلائل تأثير الجاذبيّة أكثر في الجرم البارد .
الصفحة الرئيسية Man after Death An Hour with Ghosts The Universe and the Quran The Conflict between the Torah and the Quran الخلاف بين التوراة و القرآن الكون والقرآن المتشابه من القرآن ساعة قضيتها مع الأرواح