تهديم الأجرام وتبعثرها
ليعلم كلّ إنسان عاقل أنّ المادّيات لا تبقى على حالتها مدى الأيّام ، بل تأخذ في الخراب والتهدّم وذلك على مرّ السنين ، والمعنى أنّ كلّ جرم مادّي حجراً كان أم حديداً أم خشباً أو أيّ جسم حيّ كأجسام الحيوان والإنسان أو غير ذلك فلا بدّ أن يتهدّم ويتمزّق ، وإن كان أقوى الأجسام وأصلبها ، مثلاً نرى الحديد صلباً قوياً ولكن مع صلابته يكون سريع التأكسد ، فإذا دفنّا قطعة منه تحت التراب فبعد سنة نراها تآكلت وتفتّتت وأصبحت كالتراب ، وكذلك لو أخذنا حجراً من الأحجار وسخّنَّاه لتفتّت وصار كالتراب مهما كان قوياً .
وكذلك جسم الإنسان فإنّه صائر إلى الهرم والخراب وإن طالت حياته ، فالمادّيات إذاً صائرة إلى الخراب والزوال ، قال الله تعالى في سورة الرحمن{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} والمعنى أنّ الحياة المادّية لَها نهاية وكلّ جسم على الأرض من المادّيات يتمزّق ويتلاشى ، فكلمة (فَانٍ) معناها النهاية ، والشاهد على ذلك قول الأعشى :
أكلتُ السنامَ فأفنيتُهُ وشدّ النسوع بِأصلابِها
فقول الشاعر "فأفنيتُهُ" ، يعني أتممتُه فلم أُبقِ منه شيئاً ، وقال حسّان قبل إسلامه :
فاشربْ مِنَ الخمرِ ما أتاكَ مشربُهُ واعلمْ بِانّ كلّ عيشٍ صالحٍ فانِ
أي زائل .
وأمّا قوله {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ..الخ} فالوجه يريد به الجهة ، كقوله تعالى في سورة البقرة{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُو مُوَلِّيهَا} وقوله أيضاً {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} فالوجه يريد به الجهة ، ومن ذلك قول أميّة بن أبي الصّلت :
إذا اكتسبَ المالَ الفتى مِنْ وجوهِهِ وأحسَنَ تدبيراً لَهُ حينَ يَجمَعُ
وقال لبيد بن ربيعة :
وتُضيءُ في وجهِ الظلامِ مُنيرةً كجمانةِ البحريِّ سُلَّ نظامُها
وقال عنترة :
فما تركتُ لهم وجهاً لِمُنهزمٍ ولا طريقاً ينجيهم مِنَ العطَبِ
ومعنى الآية : كلّ جسم مادّي يتلاشى ، ويبقى كلّ حيّ أثيري ينتقل إلى جوار ربّه .
وقال تعالى في سورة القصص{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، أي كلّ شيء مادّي يهلك ، يعني تتفكّك أجزاؤه ويتلاشى ، ويبقى كلّ أثيري . والتقدير : كلّ شيء في جهتكم هالك إلاّ ما كان جهتكم هالك إلاّ ما كان بجهته لا يهلك .
فإذا علمتَ أنّ المادّيات صائرة إلى الخراب والدمار فلتعلمْ بأنّ الأجرام السماويّة أيضاً صائرة إلى الخراب والزوال لأنّها من المادّيات ، فالشمس والأقمار تتشقّقان ، والأرض تتمزّق والجبال تتبعثر ، والسماوات الغازيّة تتفطّر وتتبعثر ، وملخّص القول أنّ المجموعة الشمسية بأسرها تصير إلى الخراب ، وتقوم مجموعة أخرى مقامها ، لأنّ الشمس تتشقّق فتكون سيّارات ، والسيّارات تتمزّق فتكون نيازك ، وهكذا تتمزّق المجموعة الشمسيّة وتظهر شمس جديدة فتجذب هذه القطع المتمزّقة حولَها وتبني مجموعة جديدة ، ثمّ إذا انتهت حياة تلك الشمس الجديدة تشقّقت أيضاً وتمزّقت مجموعتها وقامت أخرى مقامها وهلُمَّ جراً ، ولنذكر خراب كلٍّ من الأجرام السماويّة لمجموعتنا الشمسيّة على التفصيل بشواهد من الآيات القرآنيّة والأدلّة العقليّة ، وبالله التوفيق .
قلنا فيما سبق أنّ الأرض تدور حول نفسِها وبذلك بتكوّن الليل والنهار ، وأنّ سبب دورانِها ناتج عن الحرارة التي في جوفها ، ومن المعلوم أنّ هذه الحرارة لا تدوم بل تنتهي وتبرد الأرض شيئاً فشيئاً ، وذلك على مرّ الدهور والأعوام كما برد القمر وتوقّفت دورته حول نفسه ، فالأرض سوف تقف عن الدورة حول نفسِها ، وذلك لسببين :
الأوّل انتهاء الحرارة التي في جوفِها ،
والثاني الذرّات والنيازك الساقطة عليها من الفضاء ؛
وبذلك تزداد قشرتها الباردة فتقف عن دورتها المحوريّة ، ولا يبقى حينئذٍ تداول بين الليل والنهار ، بل يكون الليل في جهةٍ من الأرض ثابتاً إلى يوم القيامة ، ويكون النهار في الجهة الأخرى ثابتاً إلى يوم القيامة ، وذلك لأنّ الجهة التي تكون مقابلة للشمس يكون فيها نهار دائم لا ليل يعقبه ، وأمّا الجهة التي تكون بعكس الشمس يكون فيها ليل دائم لا نهار يعقبه ؛ قال الله تعالى في سورة القصص {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ، فقوله تعالى{إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} إشارة إلى الجهة التي يكون فيها ليل دائم ، والسرمدي هو الأبدي الذي تطول مدّته ، ومن ذلك قول طرفة بن العبد :
لَعمرُكَ ما أمري عليَّ بِغُمّةٍ نهاري ولا ليلي عليَّ بِسرمدِ
وأمّا قوله تعالى في الآية الثانية {إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا} إشارة إلى الجهة التي تكون مقابلة للشمس .
وقال تعالى في سورة المدثّر{كَلَّا وَالْقَمَرِ . وَاللَّيْلِ إِذا أَدْبَرَ . وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ}، فالليل يريد به ذلك الليل الطويل ، وقوله {إِذا أَدْبَرَ} يعني إذا أدبَرَ عنكم فلا يعود إليكم بل يكون النهار ملازماً لكم فتهلكون من حرِّه ، والصبح يريد به ذلك النهار الطويل .
وقال تعالى في سورة التكوير{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ . وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ . إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}، فقوله تعالى {إِذَا عَسْعَسَ} يعني إذا ثبت مكانه معكم وطال زمانه عندكم .فقد جاء في أمثلة العرب قولهم: "عسّ عليّ خبره" ، ويقولون في الذئب الذي لا يخاف من الكلاب ولا ينهزم إذا حمل عليه الراعي : "ذئبٌ عاسٌّ " ، وعسعس ، وعسعاس ، أي يثبت أمام الكلاب حتّى يأخذ فريسته . فكلمة "عسعس" ومشتقّاتها تكون (ثبت ، أبطأ ، مكث ، دام ، قاوم) ومعنى الآية يكون كما يلي : قسماً بذلك الليل الطويل إذا مكث وقسماً بذلك النهار الطويل إذا بان صبحه وأسفر عن ليله . وهذا قسم تهديد ووعيد بعذاب ذلك اليوم وليله .
وقال تعالى في سورة الانشقاق{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ . وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ}، فالشفق هي الجهة التي تكون ما بين الليل والنهار. وقال تعالى في سورة الليل{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}.
وقال تعالى في سورة الضحى{وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى . مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ، فقوله تعالى {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} يعني إذا سكن ودام ، ومن ذلك قول ابن دريد :
كأنّما البيداء غبّ صوبِهِ بحرٌ طما تيّارهُ ثمّ سجا
وقال أعشى ميمون :
فما ذنبُنا إذ جاشَ بحرُ ابنِ عمِّكم وبحرُكَ ساجٍ لا يواري الدعامصا
وقال طرفة :
وإذْ هيَ مثلَ الرئمِ صِيدَ غزالُها لَها نَظَرٌ ساجٍ إلَيْكَ تواغلُهْ
أي تديم النظر إليك ، وتقول العرب "ناقةٌ سجواء" يعني إذا حُلِبَتْ سكنتْ ، وجمع ساجٍ سواجي ، ومن ذلك قول جرير :
ولقد رَمَيْنَكَ حينَ رُحْنَ بِأعيُنٍ ينظُرْنَ مِنْ خَلَلِ الستورِ سواجي
وقال تعالى في سورة الفلق {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِن شَرِّ مَا خَلَقَ . وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} ، "فالغَسَق" هو الليل المظلم الذي لا يطلع فيه القمر ، ولفظة "وَقَبَ" معناها دخل ؛ والمعنى : ومن شرّ ليلٍ مظلمٍ إذا دخل ، وبربد به ذلك الليل الطويل الذي يكون في آخر الزمان ، فإنّ الله تعالى أمر نبيّه أن يتعوّذ منشرّه ، ففي ذلك اليوم تعرج الملائكة والصالحون إلى السماء ، ولا يبقى على الأرض إلاّ الكافرون والفاسقون والمجرمون .
وتكون مدّة وقوف الأرض عن الحركة إلى أن تقوم القيامة ألف سنة من سنيّنا ، قال الله تعالى في سورة السجدة {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} ، "فالأمر" كناية المخلوقات الروحانيّة ، والمعنى : تُنزَّل الملائكة من السماء إلى الأرض ثمّ تصعد إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنة ، ويكون صعودها إلى السماوات الأثيريّة ، وإنّما تترك المخلوقات الروحانيّة الأرض وتعرج إلى السماء لأنّ العذاب يحلّ في ذلك اليوم بأهل الأرض . وقال عزّ وجلّ في سورة الحج {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} يعني طوله ألف سنة معدٌّ لعذابِهم .
إنّ السيّارات لا تقف كلّها دفعة واحدة عن دورتِها حول نفسِها بل يكون ذلك بالتدريج ، فالصغير منها يقف أوّلاً ثمّ الذي أكبر منه ثمّ الأكبر وهكذا حتّى الأخير ، مثلاً إنّ عطارد أصغر السيّارات حجماً فيكون وقوفها قبلهنّ لأنّ الجرم الصغير تنتهي حرارته قبل الكبير . ثمّ تقف بعده الزهرة لأنّها أكبر من عطارد ، ثمّ الأرض لأنّها أكبر من الزهرة ، وهكذا حتّى يكون آخرهنّ وقوفاً أكبرهنّ حجماً .
ويمكننا أن نستدلّ على وقوف الأرض بوقوف عطارد والزهرة ، فإذا اكتشفنا أنّ الزهرة لا تدور حول نفسها فحينئذٍ نعلم بأنّ الأرض قد جاء دورها وستقف عن دورتِها وأنّ العذاب سيحلّ بأهلها .
قال الله تعالى في سورة الفجر{وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ} ، فالواو هنا واو قسم ، والفجر هو الموقع الذي يكون مابين الليل والنهار وذلك عند وقوف الأرض عن دورتِها ، لأنّ القَسَم هنا مضارع تدلّ عليه لفظة (إذا) من قوله تعالى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} . وكذلك الليالي العشر فإنّها تحلّ عندما تقلّ الحرارة التي في جوف الأرض ، فحينئذٍ تكون دورتُها بطيئة جداً بحيث يكون طول النهار مدّة ثلاثة أشهر ، وكذلك يكون طول الليل ، فإذا كملت عَشر ليالٍ طِوال تقف عن دورتِها لأنّ الحرارة التي في جوفِها تنتهي ، فحينئذٍ يكون النهار طوله ألف سنة ، ويكون الليل كذلك ، ثمّ تقوم القيامة . وقوله تعالى {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} الشفع زوج والوتر فرد ، فقوله تعالى{وَالشَّفْعِ} يشير إلى عطارد والزهرة لأنّهما زوج يقفان قبل الأرض ، لأنّ حرارتَهما تنتهي قبل حرارة الأرض ، ولذلك قدّم الشفع على الوتر مع أنّ الوتر مقدّم ، وقوله تعالى{وَالْوَتْرِ} يشير إلى المرّيخ لأنّه يقف بعد الأرض ، وقوله تعالى{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} فالليل يريد به ذلك الليل الطويل الذي يكون طوله ألف سنة ، وقوله {إِذَا يَسْرِ} يعني إذا انتقل إلى المرّيخ ، يقال "المرض يسري في القوم" يعني تنتقل العدوى فيهم من شخصٍ إلى آخر ، فهذه العدوى تأتي من عطارد إلى الزهرة ثمّ الأرض ومنها إلى المرّيخ ، فكما يكون في الأرض ليلٌ طويل كذلك يكون في المرّيخ ، فإذا مكث لليل في الأرض مدّة ألف سنة من سنيّنا فحينئذٍ الشمس وتقوم القيامة ، وهذا قَسَم تهديد ووعيد وإنذار بالعذاب ، والمعنى سوف تَرَون ما يحلّ بكم يا أهل الأرض من العذاب عند وقوفها عن دورتها ، ويكون وقوع الفجر مابين الليل والنهار ، وتأتيكم عَشر ليالٍ طِوال توقظكم من نومكم لِما يصيبكم فيهنّ من العذاب ، وكذلك كما وقفت عطارد والزهرة عن دورتيهما وأصاب أهلهما كما سيصيب أهل الأرض من العذاب ، ثمّ يسري هذا الداء إلى المرّيخ فيقف أيضاً عن دورته ويصيب أهله من العذاب ما أصاب أهل الأرض ، فما عسى أن تصنعوا في ذلك اليوم ومَن ينجيكم من عذاب الله إذا حلّ بكم ؟!
وقوله تعالى{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} أي هل فيما ذُكر من القَسَم مقنع لِذي عقلٍ فيستدلّ بذلك على توحيد الله وعلى صدق محمّد رسول الله وهل يكفي هذا الوعيد على وعظ مَن يتّعظ وزَجْر مَن ينزجر؟!
إضغط هنا ↓ لترى صورة للبقع الشمسية (عن ناسا)
http://earthobservatory.nasa.gov/Library/SolarMax/solarmax_2.html
بين زمن وآخر تظهر بقع على وجه الشمس تبقى مرئية بضعة أيام ثمّ تختفي ، وقد رأى الفلكيّون هذه البقع وشاهدَها بعض الناس من قديم الزمان ، فأخذوا يعلّلون تلك الظواهر ويقولون أنّ الشمس قد هرمت وهذه البقع جزء من جرم الشمس قد انطفأ ولم تجِد النار فيه ما تأكله . وإليك ما جاء في بعض الصحف المصريّة عن ذلك :
"أوّل ما شوهدت البقع الشمسية في سنة 321 للميلاد وقد ورد ذكرها في تاريخ الصين ، وفَطَن العرب للبقع في القرن التاسع للميلاد إذ كان ذلك سنة 807 وكانت كبيرة جداً ظلّت تُرى أكثر من أسبوع، ولم يُعنَ أحد من الراصدِين بتعيين شكلِها حتّى سنة 1610 التي اختُرِع فيها التلسكوب إذ كان العلاّمة غاليلو أوّل مَن رصَدها به .
وقد ظهرت منذ سنوات بقعة لبثت مرئية من 28 يناير إلى 10 فبراير أي مدّة أسبوعين واتّضح مِن رَصْدها أنّ طولَها 112 ألف ميل ، وهي مسافة تعدل قطر الأرض 14 مرّة وكان عرضها 63 ألف ميل ومساحتها 5300 مليون ميل مربّع أي قدر مساحة الكرة الأرضيّة 108 مرّات ومساحة القمر 1445 مرّة .
وظهور البقع يصحبه اضطراب مغناطيسي تحسّ به الآلات في المراصد الفلكيّة ، والعلماء يتّخذونَها دليلاً على هرم الشمس لأنّها عبارة عن انطفاء جزء من جرم الشمس لم تجد النار فيه ما تأكله ."
[ خطأ الفلكيّين حول البقع الشمسية ]
أقول إنّ هذه البقع لم تكن نتيجة انطفاء الشمس وهرمِها ، وإنْ كانت الشمس قد هرمت فعلاً ، ولكنّ البقع هذه ما هي إلاّ نيازك وأحجار سماويّة تجذبها الشمس من الفضاء ، والدليل على ذلك أنّها تختفي بعد بضعة أيام فلا تعود تُرى لأنّ الشمس تبتلعها ، فَلَو كانت هذه البقع من انطفاء الشمس لأخذت تزداد يوماً بعد يوم حتّى ينطفئ جميع وجه الشمس وحينئذٍ تقوم قيامتها .
ثانياً إنّ هذه البقع لم يشاهدْها الناس في هذا العصر فقط بل شاهدها الناس من قديم الزمان ورصدها الفلكيّون كما جاء ذلك في الكتب والتواريخ .
فالسبب الوحيد لانطفاء الشمس هو كثرة النيازك والأحجار السماويّة التي تبتلعها الشمس ، وبذلك تزداد كثافتها فيبرد وجهها وتكون ذات قشرة أرضيّة .
وأكثر ما تحصل عليه الشمس من النيازك والأحجار السماويّة يكون عند وقوف سيّار من السيّارات التابعة لها عن دورته المحورية . وذلك لأنّ النيازك والأحجار السماويّة والأقمار مجذوبة للسيّارات ، فإذا انتهت حرارة سيّار من السيّارات فإنّ جاذبيّته تنتهي أيضاً ، لأنّ سبب الجاذبيّة ناتج عن الحرارة التي في جوف السيّار فحينئذٍ تنجذب النيازك والأحجار السماويّة والأقمار التابعة لذلك السيّار نحو الشمس فتبتلعها .
ثالثاً إنّ مدة انطفاء الشمس لا تزيد على ألفي سنة من وقتنا الحالي وبعدها تصبح الشمس أرضاً ذات قشرة باردة ، والدليل على ذلك ما سبق من تكوين أرضنا فغنّها كانت شمساً ايضاً ، ولَمّا انتهت حياتها برد وجهها فصارت أرضاً ، وذلك بمدّة ألفَي سنة من سنيِّنا ، ثمّ انفجرت فصارت تسعة سيّارات ، وكذلك شمسنا الحالية سوف تنطفئ ويبرد وجهها بمدّة ألفَي سنة ثمّ تنفجر وتكون تسع عشرة قطعة ، قال الله تعالى في سورة فصلت {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، فاليومين هنا يريد بِهما ألفَي سنة من أيامنا ، والخلقة معناها التكوين والإحالة ، يعني كوّنها أرضاً بعد ما كانت شمساً . وقد سبق تفسير هذه الآية في الكلام عن تكوين الأرض .
وأما ما جاء في الصحف عن البقعة الشمسيّة التي ظهرت منذ سنوات ولبثت مرئية من 28 يناير إلى 10 فبراير فلا شكّ أنّها مجموعة من النيازك كانت تدور حول الزهرة وإنّ الزهرة انتهت حرارة جوفِها وفقدت جاذبيّتها فانفصلت هذه النيازك عن جاذبيّة وانجذبت إلى الشمس فابتلَعَتها بمدّة أسبوعين .
إضغط هنا ↓ لترى صورة للغيمة الدائمة لكوكب الزهرة (عن ناسا)
http://solarsystem.nasa.gov/multimedia/gallery/Venus_Clouds.jpg
وقد جاء أخيراً في بعض الصحف بأنّ كلاً من عطارد والزهرة وقفا عن دورتِهما المحوريّة وأصبح الليل والنهار فيهما سرمدَين .
[ وقوف عطارد عن دورته المحوريّة ]
إضغط هنا ↓ لترى صورة لجزء من سطح كوكب عطارد (عن ناسا)
http://www.nasa.gov/images/content/210544main_geo_hist2.jpg
وإليك ما جاء في بعض الصحف عن عطارد تحت عنوان :
"نريد بالعالم المضطرم كوكب عطارد فإنّه أقرب السيّارات إلى الشمس إذ لا يبعد عنها إلاّ بمقدار 50 مليون كيلومتراً ، ويتمّ دورته حولَها في 88 يوماً فسنته بقدر هذا العدد من الأيام ، وهو يواجه الشمس من جهة واحدة كالقمر بالنسبة للأرض ، ولذا تبلغ الحرارة فيه 400 درجة أي قدر درجة غليان الماء أربع مرّات ، وأكثر من الدرجة التي يذوب فيها الرصاص والبزموث ، وهو ما يؤخذ من أنّ الكائنات العضوية لا يمكنها أن تعيش فيه ، إذ لا بدّ لَها من الاحتراق إذا وجدت في نصف الكرة العطاردية المواجهة للشمس كما لا يمكنها أن تعيش في النصف الآخر منها لشدّة البرودة فيه فإنّها تبلغ 265 درجة تحت الصفر" . انتهى
[ وقوف عطارد والزهرة عن دورتِهما المحوريّة ]
وجاء بعد ذلك في كتاب (بصائر جغرافية) للأستاذ رشيد رشدي بأنّ كلاً من عطارد والزهرة وقفا عن دورتِهما المحورية وأصبح الليل والنهار فيهما سرمدَين وذلك تحت عنوان (نهار وليل سرمدان) صحيفة 160 .
أقول إنّ وقوف الزهرة عن دورتِها المحورية دليل واضح على اقتراب القيامة حيث أنّ ابتداء انطفاء الشمس يكون عند وقوف الزهرة عن دورتِها المحورية وذلك لِما تصيبه الشمس من النيازك والأحجار السماوية التابعة للزهرة .
وبعد الزهرة تقف الأرض عن دورتِها المحورية لسبب برودة جوفها، فحينئذٍ تنفصل النيازك والقمر عن جاذبية الأرض فتجذبُها الشمس إليها وتبتلعها ، وبعد ذلك يقف المرّيخ عن دورته المحورية فتجذب الشمس النيازك والأقمار التابعة للمرّيخ وتبتلعها . وهذه النيازك والأحجار السماوية التابعة لهذه السيارات الثلاثة التي سبق ذكرها تكفي لانطفاء الشمس وبرودة وجهها وبذلك تصبح الشمس أرضاً ذات قشرة باردة ، ويتمّ ذلك بمدّة ألفَي سنة كما بيّناه فيما سبق ، أي تنفجر الشمس بعد مضيّ ألفَي سنة وتقوم قيامتها ، وذلك اعتباراً من يوم وقوف الزهرة عن دورتِها المحورية إلى اليوم الذي تتمزّق فيه المجوعة الشمسية .
أمّا المدّة بين وقوف الزهرة ووقوف الأرض عن دورتِها فهي ألف سنة ، وتستغرق مدّة وقوف الأرض عن دورتِها المحورية ألف سنة أيضاً فيكون المجموع ألفَي سنة ، كما أخبر الله تعالى عن ذلك في سورة الحج بقوله {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} .
أمّا المرّيخ فتستغرق مدّة وقوفه خمسمائة سنة ، وذلك لأنّ المرّيخ يقف بعد وقوف الأرض بمدّة خمسمائة سنة فيكون مدّة وقوف المرّيخ خمسمائة سنة والأرض ألف سنة والزهرة ألفَي سنة وتقوم القيامة ، أمّا عطارد فتكون مدّة وقوفها أكثر من ذلك .
يكون اقتراب الأرض من الشمس لسببين :
الأوّل : برودة جوفها ، وذلك بخروج النار والغازات من جوف الأرض بسبب البراكين وخروج النفط بما يستخرجه الناس للاستفادة منه ، فحينئذٍ تزداد القشرة الباردة للأرض وتقلّ الحرارة التي في جوف الأرض ، وقد قلنا فيما سبق أنّ الجاذبية تعمل في الجرم البارد أكثر من الساخن ، أي أنّ الجرم كلّما كان أبرد ينجذب نحو الشمس أكثر ، والعكس بالعكس .
ثانياً : إنّ الأرض كلّما قلّت حرارة جوفها وزادت قشرتها الباردة فإنّها تتقلّص وتصغر ، يعني تتكسّر قشرتها الباردة وتتقلّص فتتكوّن من ذلك الجبال السلسلية المستطيلة ، وقد قلنا فيما سبق بأنّ الجرم كلّما كان أصغر ينجذب نحو الشمس أكثر ، فالأرض قد قلّت حرارة جوفها بسبب كثرة البراكين وخروج النار والغازات من جوفِها ، وتقلّص وجهها فصغر حجمُها ، وبذلك اقتربت بعض الشيء من الشمس ، ولذلك زادت الحرارة في الصيف الماضي ، أي في سنة 1978 م في العراق ، وكذلك الشتاء عندنا كان دافئاً ولم يكن بالبارد الشديد البرودة ، وهذان دليلان على اقتراب الأرض من الشمس . وكذلك باقي السيارات كلّ سيّار برد منهنّ يقترب من الشمس .
قال الله تعالى في سورة الانشقاق {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ . وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ . وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ . لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ} ، والمعنى : إذا وقعت هذه العلامات من حدوث "الشَّفَقِ . وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ . وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ" حينئذٍ تركبون طبقات الجو طبقاً عن طبق ، فترتفعون وتقتربون من الشمس ، أي لتركبنّ الأرض بكم طبقات السماء طبقاً بعد طبق . كما تدلّ الآية على حدوث طائرات يركبها الإنسان فترتفع به طبقات السماء طبقاً بعد طبق ، وذلك في القرن التاسع عشر .
ومن المعلوم أنّ الأرض إذا اقتربت من الشمس فإنّ الحرارة تعمل فيها أكثر ، فتصيب من حرارة الشمس أضعاف ما كانت تصيبه ، ثمّ إنّ وقوفها عن دورتها يسبّب تسخين وجهها لأنّ حرارة الشمس لا تنقطع عنها وذلك في الجهة التي تكون مقابلة للشمس ، وأمّا الجهة التي بعكسها تكون شديدة البرودة لأنّها لا تصيب من أشعّة الشمس شيئاً ولا يكون عندهم نهار إلى يوم القيامة ، فمن المعلوم أنّ سكّان تلك الجهة تكون معيشتهم ضنكة ويتعذّبون لأنّ حياة الإنسان والحيوان مقرونة بأشعّة الشمس ولولاها لا يكون نبات ولا حيوان . وأمّا سكّان جهة النهار فيهلكون من شدّة الحرّ ، ولكنّ الجهة التي تكون في الشفق أي ما بين الليل والنهار فهم أحسن حالاً من غيرهم .
قال الله تعالى في سورة الإسراء{وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَو مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} ، فقوله تعالى{وَإِن مَّن قَرْيَةٍ} يعني ولا قرية {إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا} ويريد بذلك مَن بكون في جهة النهار لأنّهم يهلكون من شدّة الحرّ أي يموتون ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة غافر{حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} يعني إذا مات ، وأمّا قوله {أَو مُعَذِّبُوهَا} يريد بذلك مَن يكون في جهة الليل لأنّهم يتعذّبون بالبرد والجوع والأمراض ، وإنّما يحلّ العذاب بهم لأنّهم كفَرة مجرمون ، أمّا المؤمنون فتصعد نفوسهم في ذلك اليوم إلى السماوات مع الملائكة ولا يبقى مؤمن على وجه الأرض .
وقال الله تعالى في سورة الطور {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ . مَا لَهُ مِن دَافِعٍ . يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا . وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} ، وقال تعالى في سورة يونس {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَو نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} .
فإذا كان ذلك الحرّ الشديد عند وقوف الأرض عن دورتِها فحينئذٍ يحترق النبات ، وتيبس الأشجار وتجفّ الأنهار وتتبخّر البحار ، فلا يبقى ماء ولا حبوب ولا ثمار ولا حيوان ، وذلك في جهة النهار ، لأنّ الشمس لا تبقي لهم شيئاً من ذلك ، فيهلكون حراً وجوعاً ، قال الله تعالى في سورة الملك {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} فقوله تعالى {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} أي غائراً في الأرض ، ويريد بذلك الآبار حيث لا يبقى عندهم ماء سوى ماء الآبار العميقة المالحة والمرّة {فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} أي فمن يأتيكم بماءٍ جارٍ عذبٍ صالحٍ للشرب إذا تبخّرت مياهكم وذهبت أدراج الرياح ؟ فالمَعين معناه الجاري ، والشاهد على ذلك قول عبيد بن الأبرص :
عيناكَ دمعهما سَروبُ كأنّ شأنيهما شَعيبُ
واهيةٌ أو معينُ معنٍ أو هضبةٌ دونها لهوبُ
وقال تعالى في سورة التكوير{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} أي يبست وصهرتها الشمس ، فالمسجور معناه المسخّن أو المنصهر ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة المؤمن {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ . فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} ، وقال لبيد:
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وصَدَّعَـا مَسْجُـورَةً مُتَجَـاوِراً قُلاَّمُهَـا
يعني : فصدّعا أرضاً مسجورة ، أي يابسة قد صهرتها الشمس .
وقال تعالى في سورة الكهف {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا . وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} ، فقوله تعالى {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا} يعني ما على الأرض من النبات والأشجار {صَعِيدًا جُرُزًا} "الصعيد" هو الأرض ذات التراب والأحجار التي لا يكون فيها نبات ولا أشجار ، قال تعالى في سورة المائدة {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} ، وقال عنترة :
فأقحمها ولكن مع رجالٍ كأنّ قلوبَها حَجَرُ الصعيدِ
وقال:
وطرحتُهُمْ فوقَ الصعيدِ كأنّهم أعجاز نخلٍ في حضيضِ المحجرِ
و"الجُرز" هي الأرض التي لا يصلها الماء وهي خالية من النبات ، وقال الله تعالى في سورة السجدة {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} ، وقال ابن دريد :
تقول للأجرازِ لَمّا استوسقت بسوقهِ ثقي بريٍّ وحيا
والمعنى : تقول المُزن للأراضي اليابسة التي لا يصلها الماء ثقي بريٍّ منّي بكثرة أمطارٍ تحييكِ ، ومعنى الآية : نجعلها أرضاً جرزاً لا نبت فيها ولا شجر ، وذلك لأنّها تحترق بحرارة الشمس .
وقال الله تعالى في سورة الغاشية 1{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ} السماء {الْغَاشِيَةِ} أشار سبحانه بالغاشية إلى قوله تعالى في سورة الدخان {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ . يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }، ومعنى{الْغَاشِيَةِ} أي التي تغمر الناس بشرّها، وهي الطبقات الغازيّة يختلط بعضها بالبعض فتكون دخاناً كثيفاً يسبّب الاختناق .
2 {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } أي ذليلة ، وهم المشركون والمجرمون الذين يبقون على الأرض بعد وقوفها عن دورتِها المحورية .
3 {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } في الدنيا ولكن لغير الله
4 {تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} أي ساخنة ، وهي حرارة الشمس التي تزداد في جهة النهار
5 {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي يشربون الماء من عين ساخنة وقتاً من الزمن ثمّ ينقطع ماؤها فيلجأون إلى حفر الآبار ليشربوا من مائها لأنّ مياه البحار والأنهار تتبخّر بحرارة الشمس ولا يبقى لهم ماء يشربون منه سوى ناء الآبار المرّ والمالح . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الملك {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} يعني إن أصبح ماؤكم غائراً في الأرض تشربون من الآبار .
قلنا فيما سبق أنّ القمر يدور حول الأرض وبسبب دورته يكون هلالاً ثمّ بدراً ثمّ يعود هلالاً ، وقلنا أنّ سبب دورانه ناتج عن دورة الأرض حول نفسها ، ومن المعلوم أنّها إذا وقفت عن الحركة عند انتهاء حرارة جوفِها فالقمر يقف أيضاً ، ويكون بدراً مدى الأيام ولا يعود هلالاً ، لأنّ وجهه المضيء يكون نحو الأرض ويبقى على ذلك زمناً يسيراً ثمّ ينجذب نحو الشمس ، لأنّ الأرض لا تنتهي حرارتها فجأةً بل بكون ذلك بالتدريج ، فإنّها تقف عن دورتِها قبل أن تنتهي حرارتها تماماً ، والحرارة القليلة التي تبقى في جوف الأرض كافية لجذب القمر .
إذاً يكون وقوف الأرض والقمر دفعة واحدة ، ولَمّا تنتهي حرارتها تماماً ينشقّ القمر فيكون نصفَين ؛ لأنّ تماسك الأجرام بالجاذبية ، ولَمّا كانت الشمس باقية بعد انشقاق القمر وهي جرم جاذب أخذت تجذب القمر إليها . فالقمر إذاً يقف عم دورته أوّلاً ثمّ ينشقّ ثمّ ينجذب نحو الشمس .
قال الله تعالى في سورة الانشقاق {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ . لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ} فاتساق القمر هو إكمال دورته حتّى يكون بدراً ، ومن ذلك قول الخنساء :
والشمس كاسفةٌ لمهلكه وما اتسق القمر
يعني إنّ الشمس كاسفةٌ لفقد أخيها والقمر مظلمٌ لا ضياء فيه .
قلنا أنّ كلّ جرم مجذوب إذا انفصل عن الجاذبية فإنّه يتهدّم إذا كان كبيراً أي يمزّق فيكون قطعاً كثيرة ، وينشقّ إذا كان صغيراً أي يكون نصفَين ، فالقمر مجذوب للأرض فإذا انفصل عن الجاذبية عند انتهاء حرارتِها فإنّه ينشقّ ويكون نصفَين ، فيبقى زمناً ثمّ تجذبه الشمس إليها ، وكذلك يكون حكم الأقمار في باقي السيارات .
قال الله تعالى في سورة القمر{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} وسبب نزول هذه الآية أنّ قريشاً قالت للنبيّ (ع) مستهزئةً : "إنْ كنت نبياً فشقّ القمر نصفَين فحينئذٍ نصدّقك" فنزلت هذه الآية :{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} أي دنت ساعة مماتِهم وسنعاقبهم على عنادهم واستهزائهم {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} أي انشقّ القمر من الأرض في الماضي يعني انفصل منها ، وسينشقّ عند اقتراب القيامة أيضاً . ثمّ قال تعالى بعدها{وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} والمعنى : ولو أنّا أريناهم اليوم إحدى الآيات من انشقاق القمر أو غيرها مِمّا طلبوه ورأوا ذلك بأعينِهم لَما صدّقوك يا محمّد لعنادهم بل لأعرضوا عنك ولقالوا سحرٌ مستمرّ . وهذا كقوله تعالى في سورة الأنعام{وَلَو أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ...الخ }
وقال تعالى في سورة القيامة {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ . وَخَسَفَ الْقَمَرُ . وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ . يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} ، فقوله تعالى {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} يعني إذا فَزِع البصر وتحيّر لِما يرى من علامات القيامة التي كان يكذّب بِها من قبل ، ومن ذلك قول الأعشى :
كذلكَ فافعلْ ما حَيِيتَ إلَيهِمُ وَأقدمْ إذا ما أعيُنُ الناسِ تَبْرُقُ
{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} معناها وانشقّ القمر ، لأنّ الخسف هو النازلة التي تنزل بالإنسان فتذلّه وتهلكه ، أو تنزل بالدار فتهدمها ، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم :
إذا ما المَلْكُ سامَ الناس خَسفاً أبَيْنا أنْ نقرّ الذلَّ فينا
وقال عنترة :
خُسِفتُمْ جميعاً في بروجِ هبوطِكم جِهاراً كما كلُّ الكواكبِ تَنْكَبُّ
وقالت الخنساء :
لا يأخذُ الخَسْفَ في قومٍ فيُغضبَهمْ ولا تَراهُ إذا ما قامَ مَحدودا
ثمّ قال تعالى {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} لأنّ القمر إذا انفصل عن جاذبيّة الأرض أخذته الشمس إليها فيجتمع معها ، قال الله تعالى في سورة الشمس {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} ومعناه إذا لحقها وانجذب إليها . ومن ذلك قول حسّان بن ثابت يصف النجوم :
عوائر تترى من نجومٍ تخالُها مع الصبح تتلوها زواحفُ لعّبا
يعني تتبعها زواحف .
قلنا فيما سبق أنّ جاذبية الأرض ناتجة عن الحرارة التي في جوفها ، وأنّ هذه الحرارة ستنتهي ، فحينئذٍ تنفصل النيازك والشهب عن جاذبيّتها وكذلك القمر ، فإذا انفصلت النيازك عن جاذبية الأرض فإنّ الشمس تجذبهنّ إليها كما تجذب القمر . قال الله تعالى في سورة الكهف{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، قلنا فيما سبق أنّ لفظة "جبال" يريد بِها النيازك ، فقوله تعالى{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} أي نسيّر النيازك نحو الشمس .
وقال تعالى في سورة النبأ{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} وأصلها {أسراباً} ، والمعنى : في ذلك اليوم تسير النيازك نحو الشمس أسراباً كأسراب القَطى . وقال تعالى في سورة التكوير{وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} والمعنى : سيّرت النيازك نحو الشمس ، وقال تعالى في سورة الطور{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا . وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} والمعنى: تسير النيازك نحو الشمس .
قلنا فيما سبق أنّ سبع طبقات غازية تعلو الأرض ، وأنّ الأرض سوف تقف عن الحركة عند انتهاء الحرارة التي في جوفها ، فإذا كان ذلك فحينئذٍ يختلّ النظام فيسكن كلّ متحرّك مجذوب للأرض ويتحرّك كلّ ساكن لَها ، ولَمّا كانت الطبقات الغازية ساكنة اليوم لا تضطرب ، فمن الواجب أن تضطرب في ذلك اليوم ويموج بعضها في بعض ، لأنّ الأرض تقترب من الشمس، فوقوف الأرض وحرارة الشمس يقلبان نظام تلك الطبقات الغازية ، فتأخذ حينئذٍ في الاضطراب ويموج بعضها في بعض ، حتّى تختلط مع الهواء فتمرض الناس من تلك الغازات وتختنق فيموت كثير منهم بسببها .
قال الله تعالى في سورة الطور{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا . وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} فالمَور هو الاضطراب بذهاب وإياب ، ومن ذلك قول زهير :
فَتُجمَع أَيْمُنٌ منّا ومنكمْ بِمقسمةٍ تمورُ بها الدماءُ
يعني تموج بِها الدماء ، وقال طرفة بن العبد يصف ناقته :
صُهابيّةُ العُثنونِ مُوجِدةُ القِرا بعيدةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوّارةُ اليدِ
يعني تختلف يداها عند مشيتها لسرعتها ، وقال الفرزدق :
عفا المنازِلَ آخِرَ الأيّامِ قَطْرٌ وَمَوْرٌ وَاخْتِلافُ نَعامِ
يعني محا آثار المنازل مطرٌ واختلاف ماشية ، وقال الله تعالى في سورة الحج {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ، فقوله تعالى {إِلَّا بِإِذْنِهِ} هذا استثناء ، والمعنى : إلاّ قبل يوم القيامة فإنّها تقع على الأرض لأنّ الله تعالى يأذن لَها في ذلك ، و"السماء" يريد بِها الطبقات الغازية .
إعلم أيها القارئ الكريم ، إذا جاء ذلك الزمن وظهرت تلك الآيات من :
· اتّساق القمر وانشقاقه وانجذابه نحو الشمس ،
· ووقوف الأرض عن دورتِها ودوام الليل في جهةٍ من الأرض ،
· ودوام النهار في الجهة الأخرى ،
· وتسيير النيازك نحو الشمس ،
· وغير ذلك من خرق العادات ،
فحينئذٍ تغلق أبواب التوبة ولا تقبل توبة من يتوب من الكافرين والجاحدين والفاسقين . فعلى كلّ عاقل أن يتوب اليوم ويرجع إلى ربّه بالطاعة ويستغفر الله عمّا سلف منه ، وقال الله تعالى في سورة الأنعام {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَو كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} فالآيات معناها المعجزات أي خرق العادات ، وذلك لأنّ قريشاً طلبت من النبي خرق العادات فنزلت هذه الآية ، والمعجزات التي تأتي في ذلك اليوم أوّلها وقوف الأرض عن الحركة ، ثمّ اتّساق القمر ، ثمّ انشقاقه ، ثمّ انجذابه نحو الشمس ، وغير ذلك . وقال تعالى في سورة يونس {وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} ، فقوله تعالى {فَانْتَظِرُواْ} أي انتظروا وقوع الآيات التي تكون في آخر الزمان وكان من جملة ما طلبته قريش من المعجزات انشقاق القمر ، فأوعدهم الله بأنّ ذلك سيكون في آخر الزمان ، أي عند وقوف الأرض عن دورتِها حول نفسِها .
وقال تعالى في سورة فصّلت{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ، فقوله تعالى{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} يريد بَها الآيات التي سبق ذكرها من اتّساق القمر وانشقاقه وغير ذلك من خرق العادات ، وقوله {وَفِي أَنفُسِهِمْ} الواو من قوله{وَفِي} واو عطف ، والمعنى : ونريهم آية من آياتنا في أنفسهم ، يعني تنزل فيهم وهي منهم ومن جنسهم ولغتهم ، ويريد بذلك "المهدي المنتظر" كقوله تعالى {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } يعني من جنسكم ولغتكم ، فالآية في قوله تعالى{وَفِي أَنفُسِهِمْ} هو المهدي بعلّمهم ويرشدهم ويوضّح لَهم ما تشابه عليهم من آيات القرآن ، فتكون الآيات عِلميّة وعمليّة ؛ لأنّ آية المهدي عِلميّة والتي تكون في الآفاق عمليّة {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} أي حتّى يتبيّن أنّ القرآن مُنزل من الله لم يختلقه محمّد (ع) كما يزعم بعضهم .
وقال تعالى في سورة الأنبياء {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} فقوله تعالى {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي} يعني التي تكون في آخر الزمان ، وهي التي سبق ذكرها من خوارق العادات .
قلنا أنّ كلّ جرم ساخن يكون جاذباً وكلّ جرم بارد يكون مجذوباً ، فالأرض اليوم جرم ساخن وإن كان وجهها بارداً ، ولكن لا تعدّ برودة وجهها شيئاً بالنسبة إلى حرارة جوفِها . وإنّ ذوات الذنب أجرام نارية ملتهبة فلا يكون بين الأرض وذوات الذنب تجاذب إلاّ قليلاً ، فمن المعلوم إذا برد جوف الأرض تكون عرضة لسقوط المذنّبات ، لأنّها تصبح جرماً بارداً ، والمذنّبات أجرام ملتهبة فكلّما طرق أحدها سماء الأرض ، فإنّه يهوي إليها ؛ لأنّ المذنّب يريد أن يجذب الأرض فلا يمكنه لأنّها أكبر منه فيسقط عليها . وهذا أكبر خطر وأشدّ عذاب لأهل الأرض في ذلك اليوم ، وسيهلك خلق كثير بسبب سقوط ذوات الذنب على الأرض .
قال الله تعالى في سورة النجم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} فالنجم يريد بِها ذوات الذنب ، وقوله {إِذَا هَوَى} يعني إذا سقطت على الأرض . وقال تعالى في سورة الواقعة {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ . وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّو تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} وهذا قسم تهديد والمعنى : قسماً بذوات الذنب وقسماً بالمكان والزمان الذي تقع فيه ، وقوله {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّو تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} أي إنّه حادث عظيم الخطر وفاجعة مهلكة لو تعلمون ما يكون فيها من هلاك ودمار لأمنتم وتركتم عبادة الأوثان .
وقال عزّ من قائل في سورة الرحمن{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} فالسجود هو الانقياد والسقوط على الأرض .
إضغط هنا ↓ لترى صورة الأشجار المتساقطة (بأعداد هائلة وبشكل مروحة) في تونگوسكا في سيبريا (عن ناسا)
http://antwrp.gsfc.nasa.gov/apod/ap071114.html
وقال تعالى في سورة السجدة{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فالصاعقة نار تنزل من السماء . وقال تعالى في سورة الطور {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} ، وقال تعالى في سورة الصافّات {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ . فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ } ، وقال تعالى في سورة هود{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} ، فقوله تعالى {لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} يعني لا يُصرف كما صُرف عن أهل نينوى ؛ لأنّ المذنّبات تسقط على الأرض في ذلك اليوم .
وقال عزّ وجلّ في سورة المرسلات {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} أي طُمست في الأرض بعد أن تسقط عليها . وقال تعالى أيضاً {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ . الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} فالخنّس يريد بِها المذنّبات لأنّها تخنس عن أنظارنا اليوم أي تختفي ، وتُكنس قبل يوم القيامة في الأرض أي تلتجئ إليها وتختفي فيها ، فهي بعكس النيازك ؛ لأنّ النيازك تبقى فوق الأرض إذا سقطت عليها ، وأمّا المذنّبات فتختفي فيها لأنّها أجرام ناريّة ملتهبة . ويكون سقوطها على الجهة التي يكون فيها الليل سرمداً وعلى جهة الشفق أيضاً لأنّ هاتين الجهتين تكونان باردتين فيكون التجاذب بينهما وبين المذنّب أكثر من الجهة التي يكون فيها النهار سرمداً ؛ لأنّ الحرارة تسبّب تنافراً بين الأرض والمذنّب ، قال الله تعالى في سورة الانشقاق {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ . وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} ، أقسمَ الله تعالى بالليل السرمد الذي يكون عند وقوف الأرض عن دورتها المحورية وأقسمَ بالشفق وهي الجهة التي تكون ما بين الليل والنهار وذلك لسقوط ذوات عليهما .
س 49 : فما معنى قوله تعالى{فَلَا أُقْسِمُ} ؟ فهلاّ قال : أقسمُ بمواقع النجوم ؛ لأنّنا لم نسمع من كلام العرب ولا من أشعارهم مثل هذا القسَم .
ج : أعطيك قاعدة تعرف بها القسَم الذي يأتي في القرآن . إنّ القسم في القرآن ينقسم إلى قسمين : وهو ماضٍ ومضارع ، أي أنّ الله تعالى يقسم تارة بحادث مضى وانقضى ، وتارةً بحادث لم يقع بل سيقع فيما بعد ، وهو قسم تهديد .
· فالماضي معناه إن لم تؤمنوا فعلت معكم كما فعلت فيمن مضى قبلكم ، وذلك كلّ قسم يتقدّمه حرف "و" كقوله تعالى في سورة الطارق {وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ . النَّجْمُ الثَّاقِبُ} فالنجم الثاقب أرسله الله تعالى على أهل نينوى حين لم يؤمنوا ، والمعنى إن لم تؤمنوا بمحمّد أرسلت عليكم أحد المذنّبات كما أرسلت على أهل نينوى . وهكذا كلّ قسم يتقدّمه حرف "و" .
· وأمّا الثاني فهو إنذار بحادث أو عذاب سيقع فيما بعد ، وهو:
كلّ قسم يتقدّمه كلمة "فلا" : كقوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ . الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} ، وقوله تعالى{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ . وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّو تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} وهذا قسم تهديد أيضاً ، ومعناه إن لم تؤمنوا أرسلت عليكم ما ذكرته من العذاب في مستقبل الزمان .
أو يتقدّم القسَم كلمة "لا" : كقوله تعالى {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} وهذا قسم تهديد ووعيد بوقوع العذاب في المستقبل ، لأنّ يوم القيامة لم يأتِ بعد .
أو تأتي كلمة "إذا" بعد القسَم : كقوله تعالى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} ، وقوله تعالى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ، وقوله تعالى {وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} ، فهذه الثلاثة قسم تهديد ووعيد وإنذار بوقوع العذاب في مستقبل الزمان .
قلنا فيما سبق أنّ الشمس سوف تنتهي حياتها ويبرد وجهها بمدّة ألفَي سنة كما برد وجه الأرض لَمّا كانت شمساً فتصبح حينئذٍ أرضاً كأرضنا ، ولَمّا كان جوفها ملتهباً فإنّ الغازات التي تنبعث منها مستمرّة لا تنقطع ، ولكنّ القشرة تمنع خروج الغازات من جوفِها ، ولَمّا لم تجد طريقاً للخروج فإنّ الشمس تنفجر وتكون تسع عشرة قطعة ، وقد يسبق هذا الانفجار عدّة انفجارات موضعيّة ثمّ يعقبها الانفجار العام الذي يمزّقها ويجعلها تسع عشرة قطعة ؛ وذلك لأنّ الطبقة الجامدة التي تتكوّن للشمس تكون في بادئ الأمر تكون رقيقة ، فالغازات التي تتجمّع تحتها تسبّب انفجاراً موضعياً فتخرج الغازات من ذلك الشقّ ، ثمّ يتلوه انفجار آخر بعد مرور السنين وآخر حتّى تتكاثف القشرة الجامدة التي تتكوّن على وجه الشمس وتكون سميكة كالأرض فحينئذٍ يكون الانفجار عامّاً وتصبح الشمس قطعاً عديدة .
وقد سبق أن حدثت في الشمس عدّة انفجارات موضعية ، وقد جاء ذكرها في كتاب (الله والعلم الحديث) في صحيفة 47 قال : " أعلن الدكتور توماس جولد ، نائب مدير مرصد جرينتش ، أنّ انفجاراً حدث في الشمس يوم 23 فبراير سنة 1956 يعادل القوّة الناجمة عن تفجير مليون قنبلة هيدروجينيّة ، وأدّى هذا الانفجار إلى قذف الأرض بوابل من الإشعاعات الكونيّة . وقال الدكتور في بيانه : إنّ الزيادة الكبيرة في الإشعاعات الكونية بدأت في الساعة 3,45 صباحاً بتوقيت جرينتش ، واستمرّت حوالي ساعتين ، وهذه الزيادة التي تعرّضت لَها الأرض من الإشعاعات الكونية تعتبر أكبر زيادة في التاريخ . ووصف الدكتور الانفجار بأنه حدث في منطقة أكبر بكثير من مساحة الكرة الأرضية ، وأنّ قوته كانت من الشدة بحيث لا يمكن أن يدركَها العقل البشري . كما أُعلن عن انفجار مماثل في 20 مايوسنة1957 .
وينبعث من هذه الانفجارات نور واضح للعيان ، وتنبعث منها أشعة فوق البنفسجية وأشعة هرتز ، وينبعث أيضاً من هذه الانفجارات جزيئات تقذفها الشمس ، وبعد 20 ساعة من الانفجار تحدث في الأرض أعظم العواصف المغناطيسية .
وقد أذاع المرصد التابع لمركز أبحاث السلاح الجوّي الأمريكي في 13 مارس سنة 1956 ، أنه حدث في ذلك اليوم انفجار على السطح الخارجي للشمس ، إذ خرجت غازات من جوفها درجة حرارتِها عالية بدرجة لا تتصوّر ، وبلغت سرعة انطلاق هذه الغازات ثلاثة ملايين ونصف من الأميال في الساعة .
أمّا مرصد هارفارد ، فقد أذاع بياناً قال فيه الدكتور دونالد مينزل مدير المرصد أنّ الانفجار الذي حدث في الشمس ، قد سجّلَته عدة أفلام بواسطة الكورونجراف ، وهو جهاز لتسجيل الإشعاعات النارية والضوئية الخارجة من الشمس . واتضح منه أنّ قوة الانفجار الذي حدث تعادل انفجار 100 مليون قنبلة هيدروجينية دفعة واحدة ، وأنّ هذه القوة تزيد ألف مرة على قوة الجاذبية الأرضية .
وقد اجتمع في طوكيو خمسون فلكياً وعالماً من علماء تكوين الأرض لتبادل النظريات بخصوص الأشعة الكونية ."
ثمّ تنجذب تلك القطع نحو أقرب شمس لَها وتدور حولَها ، وبعد مرور السنين عليها يبرد وجه تلك القطع تماماً فتكون سيّارات مسكونة ، وعلى هذا المنهج تنتهي حياة الشموس فتتشقّق وتكون سيّارات . قال الله تعالى في سورة التكوير{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} أي تقطّعت وصارت كراتٍ عديدة ، وقد سبق تفسيرها . وقال الله تعالى في سورة المدثر{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} أي عليها تكليف جاذبية تسعة عشر كوكباً سياراً .
وقال الله تعالى في سورة الهمَزة {كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ . نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} فالحطَمة صفة لِجهنّم ، وجهنّم هي الشمس ، وقد وصفها سبحانه بالتحطيم ، كما وصف الأرض بالتصدّع فقال {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} . وقال تعالى في سورة الملك{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ . تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ...الخ} يعني تكاد جهنّم تتقطّع من الغيظ ، وجهنّم هي الشمس .
وقال الله تعالى في سورة لقمان {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ، فقوله تعالى {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} معناه كلٌّ من الشمس والقمر له أجل تنتهي حياته فيه ، فالشمس لَها أجَل كما للانسان أجَل تنتهي حياته فيه . وقال تعالى في سورة فاطر{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ...الخٍ} ، وقال عزّ وجلّ في سورة الزمر{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُو الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} ، وقال تعالى في سورة القصص{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} والمعنى كلّ شيء مادّي يتمزّق ويتلاشى إلاّ الأثيريّات فإنّها باقية لا تفنى ولا تهلك .
( شكل رقم 8 )
الشمس تنفجر وتكون تسعة عشر قطعة
قلنا فيما سبق أنّ الشمس تتشقّق يوم القيامة ، فمن المعلوم إذا تشقّقت تنبعث منها غازات عظيمة تملأ فضاء السيّارات ، وكذلك يخرج منها نار وسنان تملأ الأقطار ، وستصل النار إلى الأرض وباقي السيّارات فتصيب النفوس الباقية على الأرض ولا نجاة لَهم منها ، وذلك لأنّ الأرض وباقي السيّارات ستكون قريبة من الشمس حيث يبرد جوفهنّ كما مرّ بيانه . قال الله تعالى في سورة الدخان {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ . يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } . فالدخان ينبعث من الشمس حين تشقّقها ، وهو خليط من سبعة غازات . وقال تعالى في سورة الرحمن {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ} يعني من الشمس المتمزّقة {وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ} فالشواظ هو لَهب النار .
ومن ذلك قول أمية بن خلف يهجو حسّان :
يمانياً يظلّ يشدُّ كيراً وينفخ دائباً لَهَبَ الشواظِ
والنحاس هو اللابة والسوائل المنصهرة التي تخرج من الشمس بعد انفجارها . فالنحاس مذكّر لِنحس ، وجمع المؤنّث نحسات ، قال الله تعالى في سورة فصّلت {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} . وقال الجحدي يصف فتاة :
تُضيء كضوء سراج السَّليط لم يجعل الله فيه نُحاساً
أي ليس في هذا السراج شيء نحس فليس فيه نار تحرق ولا دخان يزعج ولا رائحة كريهة . وأراد الشاعر بذلك مدح الفتاة فشبّهها بالسراج ، والمعنى : ليس فيها شيء نحس بل كلّها سُعود . وقال لبيد :
وَكَمْ فينا إذا ما المحلُ أبْدى نُحَاس القَوْمِ مِن سَمْحٍ هضُومِ
سبق الكلام بأنّ الشمس تنتهي حياتها ويبرد وجهها، فإذا كان ذلك فإنّ الغازات التي تنبعث منها تبقى محبوسة في جوفِها لا سبيل لَها للخروج ، فإذا زادت الغازات وتراكمت في جوفها فحينئذٍ تضغط على الطبقة الباردة فتنفطر الشمس فتأخذ الغازات حينئذٍ في الخروج ، وبخروجِها يكون لَها صوتٌ عظيم ، كما أنّ القطار يصوّت إذا فتحوا له صنبور البخار ، فيستمرّ الصوت حتّى تخفّ وطأة الغازات المنبعثة من الجهة التي تلي ذلك الصدع فيكون الصوت قليلاً ، ثمّ تهجم الغازات التي في جوف الشمس نحو الصدع لتخرج منه لأنّها وجدت سبيلاً للخروج ، فيتوسّع الصدع بخروجَها ويكون لَها صوت أشدّ وأعظم من الأوّل ، ويستمرّ الصوت حتّى تنفجر الشمس وتتشقّق فتكون تسعة عشر قطعة ، ومن المعلوم أنّ هذا الحادث يجعل خللاً عظيماً في النظام ؛ لأنّ الشمس أمّ السيّارات وهي الجاذبة لَهنّ ، فإذا تشقّقت فإنّ جاذبيّتها تنفصل عن السيّارات فيسقطنَ في الفضاء ، فإذا كان ذلك فإنّ الأرض وباقي السيّارات تأخذ في الرجفة والزلزال ، ويأخذ أهلَها الفزع والخوف حتّى تتمزّق الأرض وتموت الناس فحينئذٍ يتركونَها وتعرج النفوس في الفضاء ذاهبةً إلى المحشر ولا يبقى أحد على وجهِها ، وكذلك باقي السيّارات فحالُهنّ كحال أهل الأرض .
قال الله تعالى في سورة فاطر {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} ، فقوله تعالى {وَلَئِن زَالَتَا} يريد بذلك يوم القيامة ، والمعنى : ولئن زالتا يوم القيامة عن الجاذبية فهل أحد يمكنه أن يمسكها غير الله ، وإنّما قال {أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} لأنّ السيّارات ولو أنّها تزول عن جاذبية الشمس وتتمزّق إلاّ أنّها لا تذهب ضحيّة الفضاء بل تكون نيازك وتنجذب نحو السيّارات الجديدة .
وقال تعالى في سورة النمل {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} فالصور هو الطبقة الباردة التي تتكوّن على وجه الشمس ، والنفخ يكون من جوفها وهي الغازات التي تنبعث من الصدع فهي تنفخ في الصور أي في القشرة الباردة التي تتكوّن للشمس ، وقوله تعالى {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ} أي السماوات الغازيّة وهي مسكن الجنّ {وَمَن فِي الْأَرْضِ} فالأرض هنا يريد بِها كلّها ، والمعنى ففزع من في الطبقات الغازية ومن في السيّارات ، ثمّ استثنى سبحانه سكّان السماوات الأثيرية وهم الملائكة فقال {إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ، وَكُلٌّ} من الجنّ والإنس {أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} أي مطيعين منقادين . وإنّما جاء هنا ذكر السماوات الغازية قبل ذكر الأرض لأنّه يريد ذكر من فيهما وهو قوله تعالى {مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} فالسماوات الغازية تسكنها الجنّ ، وإنّما جاء ذكر الجنّ قبل الإنس لأنّه سبحانه خلق الجنّ قبل الإنس وذلك قوله تعالى في سورة الحجر {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} .
وقال تعالى أيضاً في سورة الزمر {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} فقوله تعالى {فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} يعني أصابتهم نار فماتوا ، والسماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازية ، والأرض يريد بِها كلّها ، والمعنى : فصعق من في السماوات الغازية ومن في السيّارات ، ثمّ استثنى سبحانه عن الملائكة فقال {إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ} فهؤلاء لا تأخذهم الصاعقة {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} أي ينتظرون جزاء أعمالِهم ، والضمير في قوله {فَإِذَا هُم} يعود إلى النفوس ، والمعنى : فإذا نفوسهم قائمة عن الأجسام ينتظرون جزاء أعمالِهم ، ففي النفخة الأولى تفزع الناس ويُصعَقون ، وفي الثانية يموتون ويقومون للحساب والجزاء أي تقوم نفوسهم للحساب .
وقال تعالى في سورة الحاقّة {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ . وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} ، فقوله تعالى {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} لأنّ النفخ مستمرّ من الشمس فكأنّما النفختين هما واحدة لاتصال الأولى بالثانية . وقال تعالى في سورة المدثر {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ . فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} ، فالناقور يريد به الصور ، والصوت الذي يخرج منه يكون بواسطة نفخ الغازات فيه ، وأمّا قوله {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} أي تهدّمتا دفعة واحدة ، والمعنى : فتهدّمت السيّارات والجبال دفعة واحدة .
س 50 : يقول بعض الناس أنّ الصور هو(بوق) ينفخ فيه إسرافيل يوم القيامة فيكون له صوت عظيم فتسمعه الناس ويجتمعون حوله .
ج : أقول إنّ هذه أقوال لا صحّة لَها وقد نقلها المسلمون عن اليهود وليس للملائكة أبواق ينفخون بِها لأنّهم أثيريّون والمخلوقات الأثيرية لا يمكنها النفخ بالأبواق ، ثمّ لو أتينا بأكبر بوق موجود على الأرض ووضعناه في بغداد ونفخنا فيه فهل يسمعه أهل الموصل والبصرة ؟ الجواب : كلاّ ، ثانياً نترك البوق وسنأتي إلى شيء أعظم صوتاً من البوق وهو الرعد الذي يصمّ الآذان فإذا خرج صوت الرعد من بغداد فهل يسمعه من كان في الموصل أو البصرة ؟ الجواب : كلاّ ؛ إذاً كيف يسمع صوت البوق أهالي الكواكب السيّارة بأجمعها فيفزعون ويُصعَقون على أنّ صوت البوق أقلّ من صوت الرعد ، وقد قال الله تعالى{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ...الخ} .
فإذا انصدع وجه الشمس وظهر الصوت فحينئذٍ تأخذ الأرض في الرجفة والزلزال حتّى تتمزّق ، قال الله تعالى في سورة الحج {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} أي حادث عظيم الوقع في النفوس ، والساعة هي القيامة ـ والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الزلزال {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} ـ
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا} أي ترَون زلزلة الأرض وتشاهدون ذلك الحادث الذي بعده تتمزّق الأرض والمجموعة الشمسية وتقوم القيامة حينئذٍ {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} أخبر الله سبحانه عن أهوال يوم القيامة وما يحدث فيها من تقلّبات كونية وخوف وفزع بأنّ كلّ امرأةٍ مرضعة في الكواكب السيّارة تذهل عن ولدها ولا تلتفت إليه وذلك لِما يُصيبها من الخوف والعذاب ، فهي مشغولة بنفسها عن غيرها ، وكلّ امرأة حامل تضع حملَها ، أي تُسقط جنينها لِما يلحقها من العذاب {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} من شدّة الخوف والعذاب {وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} . أمّا أهل الأرض فيموتون قبل يوم القيامة إلاّ بعض من سكن منطقة الشفق وذلك بعد أن تقف الأرض عن دورتِها المحورية ولا يبقى فيها أحياء ، ولكن الكواكب السيّارة التي أكبر من أرضنا يبقى فيها أحياء لأنّها تبقى على دورتِها المحورية لا تقف إلى يوم القيامة فحينئذٍ يُصيبها ما يُصيب الأرض من الاهتزاز أوّلاً والتمزّق أخيراً .
وقال جلّ جلاله في سورة المزّمل {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا} والمعنى : ترجف السيّارات وجبالُها في ذلك اليوم ، وقال تعالى في سورة الزلزال{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} ، وقال عزّ من قائل في سورة النازعات {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ . تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} أي تتبعها المصيبة الثانية التي تردفها ، ويريد بالثانية تشقّق الأرض ؛ لأنّ الأولى رجفتها والثانية تمزّقها وانتشار أجزائها في الفضاء .
وقال تعالى في سورة الواقعة {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ . لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ . خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ . إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا . وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} فالواقعة التي تقع في ذلك اليوم هي تمزّق المجموعة الشمسية ، وقوله {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} أي تخفض جرماً وترفع آخر ، والمعنى أنّها تقلب النظام ، لأنّها تشقّق الشمس لتجعلها سيّارات ، وتمزّق السيّارات فتجعلها نيازك ، وتفتّت النيازك فتجعلها تراباً ، وهلمّ جراً . ثمّ بيّن سبحانه متى تكون تلك الواقعة فقال {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} أي اهتزّت الأرض هزاً شديداً ، {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} أي وفُتّتت الجبال تفتيتا ً {فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} أي فكانت تراباً منتشراً على الأرض .
سبق الكلام بأنّ الجرم المجذوب إذا انفصلت عنه الجاذبية يتهدّم ويتشقّق ، وقلنا أنّ الشمس تنتهي حياتها وتتشقّق يوم القيامة ، ومن المعلوم إذا تشقّقت الشمس فإنّ شقائقها تنتشر في الفضاء ويختلّ النظام فحينئذٍ تنفصل جاذبيّتها عن السيّارات ، فإذا كان ذلك فإنّ السيّارات الحاليّة تتهدّم وتتمزّق وتنتثر في الفضاء فتكون نيازك ، كما أنّ النيازك الموجودة اليوم كانت سيّارات في قديم الزمان ، ولَمّا قامت قيامتها تمزّقت فصارت نيازك . قال الله تعالى في سورة الانفطار {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} فالكواكب يريد بِها السيّارات خاصةً ، حيث لا تطلق لفظة "كوكب" إلاّ على سيّار ، ومعنى الآية يكون هكذا : إذا السيّارات تمزّقت وانتثرت تلك القطع في الفضاء .
وقال تعالى في سورة الرعد {وَلَو أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَو قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَو كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ...الخ} ، وقال تعالى في سورة مريم {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} ، وقال تعالى في سورة ق {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} ، وقال تعالى في سورة الطارق {وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ . وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} : وصف الله الأرض بالصدع بقوله {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} والمعنى أنّها تصدّعت في قديم الزمان فصارت تسع قطع بعدما كانت واحدة ، وستتصدّع يوم القيامة فتكون قطعاً كثيرة وتنتشر في الفضاء .
وقال تعالى في سورة الحاقة {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ . وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً . فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} ، فالأرض هنا يريد بِها كلّها ، أي الأرض مع باقي السيّارات ، وقوله {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} أي فتهدّمتا دفعةً واحدة ، كقوله تعالى في سورة الأعراف {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} أي جعل الجبل متهدّماً ، وقال أبو العلاء المعرّي :
فَلَو بَغى جبلٌ على جبلٍ لَدُكّ منهُ أعاليهِ وسافِلُهُ
أي لَتهدّم ، وقال عنترة :
وتطلبُ أن تلاقيني وسيفي يُدَكُّ لوقعه الجبلُ الثقيلُ
وقال الشاعر :
ليتَ الجبالَ تداعَتْ عندَ مصرعِِها دكاً فلمْ يَبقَ من أحجارِها حجرُ
و"الدكداك" هي الأحجار المتهدّمة والمتكسّرة من الجبل ، ومن ذلك قول لبيد :
وكتيبةُ الأحْلافِ قد لاقَيْتُهُمْ حيث استفاضَ دَكادِكٌ وقَصِيمُ
وقال الله تعالى في سورة الفجر {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا . وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} ، وقال تعالى في سورة الملك {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} ، فاخسف هو النازلة تنزل بالشيء فتذلّه وتهدمه ، والمور هو الاضطراب بذهاب وإياب ، والمعنى : أأمنتم مَن في السماء "هو الله جلّ جلاله" أن يهدمَ بكم الأرض فتصبح أجزاؤها تمور في الفضاء أي تسبح في الفضاء ؛ لأنّها تكون نيازك .
وقال تعالى في سورة الأحقاف {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ...الخ} فبيّن سبحانه أنّه خلق السيّارات وجعل لهنّ أجلاً تنتهي حياتهنّ فيه وليست حياتهنّ سرمدية . وقال أيضاً في سورة الروم {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} .
وجاء في إنجيل متّي في الإصحاح الرابع والعشرين قال عيسى لتلاميذه (السماء والأرض تزولان ولكنّ كلامي لا يزول) . وجاء في الزبور في المزمور الثاني بعد المائة قال ( مِن قِدمٍ أسّستَ الأرض والسماوات هي عملُ يديكَ ، هي تبيدُ وأنتَ تبقى ، وكلّها كثوبٍ تبلى كرداءٍ تغيّرُهنّ فتتغيّر ، وأنتَ هو وسنوكَ لن تنتهي) .
قال الله تعالى في سورة طه {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا . فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا . لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}*
((* كلمة قاع يُقصد بِها قطعة من الأرض ، وجمعها قيعان ، ومن ذلك قول الخنساء :
شَهّـادُ أَنـدِيَـةٍ حَـمّـالُ أَلـوِيَـةٍ قَطّـاعُ أَودِيَـةٍ سِرحـانُ قيـعـانِ ))
قلنا فيما سبق أنّ الأرض ستقف عن دورتِها المحورية فبكون في جهةٍ منها نهار سرمد وفي الجهة الأخرى ليل سرمد ، ومن المعلوم أنّ الجهة التي تكون مقابلة للشمس تكون الحرارة فيها شديدة جداً وتلك الحرارة تكفي لإحراق الصخور وتفتيتها لأنّ أكثر الصخور مكوّنة من كاربونات الكالسيوم ، فإذا سخّنت ذهب عنها غاز ثاني أوكسيد الكاربون وبقي أوكسيد الكالسيوم (نورة) وهو مسحوق أبيض .
ثانياً سقوط ذوات الذنب على الجبال قرب القيامة تصهرها وتفتّتها .
ثالثاً إنّ الحرارة التي في جوف الأرض ستذهب بالتدريج وتنطفئ على مرّ السنين ، وبذلك تصبح أجزاء الجبال والصخور متفكّكة حيث تذهب القوة الجاذبة التي في جوف الأرض (( لأنّ السبب الوحيد في إنشاء القوة الجاذبية هو الحرارة )) وبهذا السبب تصبح الجبال كثيباً مهيلاً وتصبح عرضة لعوامل التعرية والتآكل فإنّ الرياح تنسفها إلى البحار والمحيطات وبذلك تصبح الأرض صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، وهذه الحادثة تكون قبل يوم القيامة وبعد وقوف الأرض عن دورتِها المحورية . أمّا يوم القيامة فإنّ الأرض تتمزّق وتكون نيازك .
قال الله تعالى في سورة المزّمل {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا} أي كأنّها تلول من الرمال تنهال إلى سفوحِها بأدنى حركة وتجرفها الرياح وتذهب بِها إلى الأراضي المنخفضة . وقال تعالى في سورة المعارج {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ . وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} أي تكون أجزاؤها غير متماسكة فتكون كالصوف المنفوش ، ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة القارعة {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ . وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} . وقال تعالى في سورة المرسلات {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} أي تنسفها الرياح وتذهب بِها إلى الأراضي المنخفضة لأنّها تصبح غير متماسكة الأجزاء وذلك لفقدان الأرض جاذبيّتها .
قلنا إنّ لفظة "سماء" مفردة يريد بِها الطبقات الغازية ، وهذه الطبقات أيضاً صائرة إلى الخراب ، وذلك لأنّ الأرض تتمزّق يوم القيامة ، ولَمّا كانت الطبقات الغازية مجذوبة للأرض تمزّقت معها وتبعثرت ، أي يختلط بعضها مع بعض فتكون كالدخان ، كما كانت في بدء تكوينها ، قال الله تعالى في سورة الأنبياء {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} فلفظة "سماء" يريد بِها الطبقات الغازية ، و"السجلّ" هو الدلو الكبير المصنوع من الجلد وجمعه سِجال ، والشاهد على ذلك قول امرئ القيس :
عيناكَ دمعُهُما سِجال كأنَّ شأنَيْهما وِشالُ
فالسجال جمع سجلّ ، وقالت الخنساء :
أَهاجَ لَكِ الدُموعَ عَلى اِبنِ عَمرو مَصائِبُ قَد رُزِئتِ بِها فَجـودي
بِسَجـلٍ مِنـكِ مُنحَـدِرٍ عَلَيـهِ فَما يَنفَـكَّ مِثـلَ عَـدا الفَريـدِ
وقال أعشى ميمون :
لَـهُ رِدَافٌ ، وَجَـوْزٌ مُفْـأمٌ عَمِـلٌ مُنَطَّـقٌ بِسِجَـالِ الـمَـاءِ مُتّصِـل
وقال :
ربَّ حيٍّ أشقاهُمُ آخرَ الدهْـ -- ـرِ وحيٍّ سقاهُمُ بِسِجالِ
فبعض قبائل العرب تلفظ السَجل بفتح السين وبعضها بكسر السين .
و"الطيّ" معناه الانحطاط في القوى والتدهور في الأمور والتفسّخ في الكُتل ، والشاهد على ذلك قول لبيد يصف رجلاً قتيلاً :
طوتْهُ المَنَايَا فوقَ جرداءَ شطبة ٍ تَدِفُّ دَفيفَ الرَّائحِ المُتَمَطِّرِ
وقال الآخر :
طَوَتْكَ خُطوبُكَ بعدَ نشرٍ كذاكَ الدهرُ نشراً وطيّا
وقال جرير :
طَوَى البَينُ أسبابَ الوِصَال وَحاوَلتْ بكِنْهِلَ أسبابُ الهوَى أنْ تَجَذّمَا
فقول الشاعر: "طَوَى البَينُ أسبابَ الوِصَال" أي قطّعَها وفرّقَها .
و"الكتب" جمع كتاب ، و"الكتاب" هو الرقعة أو أيّ شيءٍ آخر فيه كتابة ، وكانت كتب العرب من عظام الحيوانات كعظام اللوح وغيرها ، أومن جريد النخل ، أومن الحجر الأبيض أو الحصى ، أومن جلود الأنعام ، فهذه كانت كتبهم حيث لم يكن في ذلك اليوم قرطاس ، وكان السجلّ عندهم كالمحفظة عندنا ، وهي التي نحفظ فيها الكتب ، فكانوا يضعون كتبهم في السجلّ ولكن على غير ترتيب ، بل كانت مخلوطة الحجر فوق الجريد ، والجريد فوق العظام والعظام فوق الجلود ، وهكذا تجد كتبهم مخلوطة بعضها فوق بعض ، ومعنى الآية يكون هكذا :
يوم نمزّق الطبقات الغازية ونخلط بعضها مع بعض كما يخلط سجلّكم الكتب بعضها فوق بعض ، والدليل على ذلك قوله تعالى {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} أي كما بدأنا تكوين الطبقات الغازية من الدخان كذلك نعيدها يوم القيامة دخاناً {وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} وإنّما قال تعالى {كُنَّا فَاعِلِينَ} على الماضي معناه إنّ فعلنا ذلك فيمن مضى قبلكم لَمّ قامت قيامتهم وشقّقنا تلك السماوات الغازية التي كانت فوقهم ، وكذلك نفعل لَمّا تقوم قيامة أرضكم .
وقال تعالى في سورة الفرقان {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} . وقال تعالى في سورة الحاقة {وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} ، الواهي معناه المتشقّق ، والشاهد على ذلك قول امرئ القيس :
كناطحٍ صخرةً يوماً لِيوهنَها فَلَمْ يَضُرْها وأَوْهى قَرْنَهُ الوَعِلُ
وقال حسّان :
لا يرقعُ الناسُ ما أوهـتْ أكفّهـمُ عند الدفاعِ ، ولا يوهون ما رَقَعوا
وقالت الخنساء :
وَمَن لِمُهِمٍّ حَلَّ بِالجارِ فادِحٍ وَأَمرٍ وَهَى مِن صاحِبٍ لَيسَ يُرقَعُ
وقال الأعشى :
لا يَرقَعُ الناسُ مَا أَوهَى وَإِن جَهَدوا طولَ الحَياةِ وَلا يوهـونَ ما رَقَعـا
وقال الله تعالى في سورة الرحمن {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} ، "السماء" هي الطبقات الغازية ، و"الورد" كناية عن اللون الأحمر ، و"الدهان" جمع دهن وهي نقرة تكون بين الجبال تجتمع فيها مياه الأمطار ، وكانت في دولة الإمارات العربية نقر من مناجم الحديد وفيها أوكسيد الحديد الأحمر المعروف عند العامّة باسم (مغر) ، فكانوا يأخذون المغر من تلك الدهان ويصبغون به بعض الأشياء . ولذلك صاروا يضربون بِها المثل ، ومن ذلك قول عنترة يصف الأرض بالحمرة في يوم القتال :
فإذا ما الأرضُ صارَتْ وردةً مِثلَ الدهانِ
والدِّما تَجري عليها لَونُها أحمرُ قاني
وقال عزّ وجلّ في سورة المعارج {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ} ، والمعنى : تكون السماء في ذلك اليوم كالزيت العكر حيث تختلط تلك الغازات وتكون كالدخان . وقال تعالى في سورة المزّمل {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا . السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} . وقال تعالى في سورة المرسلات {وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ} أي انفرج بعضها عن بعض ، والمعنى : انفطرت وفُتحت ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :
تُفَرَّجُ بِالنَدى الأَبـوابُ عَنـهُ وَلا يَكتَـنَّ دونَهُـمُ بِسِـتـرِ
وقال جرير :
نحن الحُمَـاةُ بكـلِّ ثَغْرٍ يُتَّقَى وبنا يُفـرَّج كـلُّ بـابٍ مُغْلَـقِ
وقال الله تعالى في سورة النبأ {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} . وقال تعالى في سورة الانشقاق {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} . وقال تعالى في سورة الطارق {وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ} أي ترجع فتكون دخاناً كما كانت دخاناً في بدء تكوينِها .
وجاء في مجموعة التوراة في صحف إشعيا النبي في الإصحاح الحادي والخمسين قال (إرفعوا إلى السماوات عيونكم وانظروا إلى الأرض من تحت ، فإنّ السماوات كالدخان تضمحلّ ، والأرض كالثوب تبلى ، وسكّانها كالبعوض يموتون .) فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازية .
ومِمّا جاء في ذكر السماوات على الجمع قوله تعالى في سورة الزمر{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، فقوله تعالى {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} نظير قوله {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} إلاّ أنّه هناك جاء لفظها على الإفراد ، وهنا جاء على الجمع ، وفي الآيتين يريد بذلك السماوات الغازية وتشقّقها يوم القيامة .
وقال تعالى في سورة مريم {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} ، فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازية ، والمعنى قاربَ للسماوات الغازية أن تنفطر من عظيم قولِهم إذ دَعَوا للرحمن ولداً ، وقاربَ للأرض أن تنشقّ ، وآن للجبال أن تسقط تهدّماً وتبعثراً . وقال تعالى أيضاً في سورة شورى{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ...الخ} ، فهذه الآيات تصرّح بأنّ الطبقات الغازية تنفطر يوم القيامة وتتبعثر ، لأنّ الأرض تتمزّق والغازات مجذوبة لَها فتتمزّق معها .
إنّ يوم القيامة هو اليوم الذي تتشقّق فيه الشمس فتكون سيّارات ، وتتمزّق فيه الأرض والسيّارات الحاليّة فتكون نيازك ، وتتفتّت فيه الجبال فتكون هباءً منثوراً ، وهو اليوم الذي تموت فيه المخلوقات المادّية كلّها فلا يبقى على وجه الأرض ولا السيّارات الأخرى أحد من الأحياء . والخلاصة أنّ يوم القيامة هو اليوم الذي تتمزّق فيه المجموعة الشمسية بأسرها ، فهو يوم الهلاك والدمار ، فإذا كان ذلك اليوم وتمزّقت الأرض فإنّ النفوس تنفر من الأرض وتنتشر في الفضاء ولا يبقى على وجه الأرض سوى الأجسام الميّتة ، وفي ذلك اليوم يكون الحشر والحساب والجزاء ودخول الجنّة أو النار لسائر الناس .
قال الله تعالى في سورة الحاقة {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ . وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً . فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} يعني في ذلك اليوم تقوم القيامة ، وفيه ينفخ في الصور نفخة واحدة ، وفي ذلك اليوم تدكّ الأرض والجبال ، أي تتهدّم . وقال تعالى في سورة ق {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} أي تتشقّق عن النفوس ؛ لأنّ النفوس داخل الأرض أي داخل القبور (( ولِمزيد من المعلومات راجع كتاب "الإنسان بعد الموت" للمؤلّف )) ، ومن ذلك قول كعب بن زهير يصف أفراخ القطا :
رَوَايَـا فِـراخٍ بالفَـلاَةِ تَـوَائـمٍ تَحَطَّمَ عنها البَيْضُ حُمْرِ الحَوَاصِـلِ
فإذا تشقّقت عنهم يتركونَها وينتشرون في الفضاء ثمّ يكون المحشر ، وذلك قوله تعالى {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} ويؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة النساء {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَو تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا}
فقوله تعالى {لَو تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} يعني يتمنّون لو تعود الأرض كما كانت فتلتحم بعد تشقّقها ويختفون فيها كما كانوا مختفين في قبورهم ولم بكن لَهم حشر ولا حساب ولَمّا تشقّقت الأرض عنهم رأوا المحشر والعذاب فتمنّوا ذلك ، فلفظة {تُسَوَّى} يعني تلتحم بعد تجزّئها ، كما في قوله تعالى في سورة القيامة {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} أي قادرين أن نُرجع جسم الإنسان كما كان فنعيد البنان [: أو بصمات الأصابع] بخطوطها كما كانت قبل موتِها .
وقال تعالى في سورة التكوير {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ . وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} ، والمعنى : إذا كان ما ذكرناه من تكوير الشمس وانكدار النجوم وتسيير الجبال فحينئذٍ يكون يوم القيامة ، وقد مرّ تفسير هذه الآيات . وقال تعالى في سورة الانفطار {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ . وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}، والمعنى : إذا كانت هذه الحوادث فذلك اليوم هو يوم القيامة .
وقال تعالى في سورة الانشقاق {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ . وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ . وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} ، والمعنى : إذا وقعت هذه الحوادث فذلك اليوم هو يوم القيامة ، وفي ذلك اليوم يكون الحساب والجزاء ، فقوله تعالى {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} يعني ألقت ما فيها من النفوس وفرغت منهم . وقال تعالى في سورة الزلزال {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا . وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا . يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا . بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}، والمعنى : إذا وقعت هذه الحوادث فحينئذٍ يكون يوم القيامة ، فقوله تعالى {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} يعني أخرجت النفوس التي كانت ثقيلة على الأرض ، كقوله {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} و"الأثقال" هم الأشرار ، فمن كان سيّء الخُلق مذمومة أفعاله يسمّى "ثقيل" ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :
أَبَعدَ اِبنِ عَمرو مِن آلِ الشَريدِ حَلَّـت بِـهِ الأَرضُ أَثقالَهـا
والمعنى : بعد فقد عمرو وهو أخوها ، نزلت الأشرار بتلك الأرض لأنّهم أمِنوا سطوته .
وقال الشاعر :
إذا حلّ الثقيلُ بأرضِ قومٍ فَما لِلساكِنينَ سِوى الرحيلِ
وقال تعالى في سورة المرسلات {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ . وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ . وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}، والمعنى : إذا وقعت هذه الحوادث فحينئذٍ يكون يوم القيامة ويكون الحساب والجزاء ، والدليل على ذلك قوله تعالى قبل هذه الآيات {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} ، يعني ما توعَدون به من الحساب والجزاء هو واقع ثمّ بيّن سبحانه متى يكون ذلك فقال{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ . وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ ...الخ} . وقال تعالى في سورة القيامة {بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ . فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ . وَخَسَفَ الْقَمَرُ . وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ . يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ . كَلَّا لَا وَزَرَ . إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ . يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} ، والمعنى : إذا كانت هذه العلامات حينئذٍ يكون يوم القيامة متى يكون ، فأجابَهم الله تعالى بِهذه الآيات .
قلنا فيما سبق أنّ شمسنا الحالية تتشقّق يوم القيامة وتكون تسعة عشر قطعة ، وتنجذب هذه القطع نحو أقرب شمس لَها ، لأنّ القطع لَها قشرة باردة ، ويكون لَهنّ دورتان : الأولى حول أنفسهنّ وبِها يتكوّن الليل والنهار ، والثانية حول الشمس وبِها تتكوّن الفصول الأربعة ، وهي الربيع والخريف والصيف والشتاء . ومن المعلوم أنّ هذه القطع لا تكون متساوية في الأحجام بل يكون منها الصغير والكبير ، ثمّ إنّها لا تكون كروية الشكل في بدء أمرها بل تكون لَها أطراف ، فإذا دارت هذه الأجرام حول نفسها وذلك بسبب الحرارة التي في جوفِها ، فإنّ الأطراف تنفصل عنها فتكون أقماراً لَها ، فحينئذٍ تكون تلك القطع الأصلية كروية لأنّ الزوائد انفصلت عنها.
ثمّ تأخذ في البرودة والتصلّب حتّى تصبح سيّارات مسكونة ؛ وذلك لأسباب :
أولاً : إنّ وجهها يبرد تماماً على مرّ السنين والأيام ،
ثانياً : تجذب إليها سيّاراتنا الحالية ، لأنّها تتمزّق يوم القيامة فتكون نيازك فيسقط بعضها على تلك السيّارات الجديدة ،
ثالثاً : إنّها تجذب إليها من الذرّات المنتشرة في الفضاء التي كانت نيازك ثمّ تفتّتت عند قيام قيامتِها ،
رابعاً : إنّها تجذب إليها من الغازات المنتشرة في الفضاء ،
وبذلك يزداد حجمها فتصبح سيّارات جديدة تدور حول شمسٍ جديدة ولَها أقمار جديدة ، وبعبارةٍ أخرى تصبح هناك مجموعة شمسية جديدة ، ويخلق الله فيها نباتاً وحيواناً وأناساً وغير ذلك ، وهكذا تكون المجموعات الشمسية : كلّما تمزّقت مجموعة قامت أخرى مقامها .
قال الله تعالى في سورة إبراهيم {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} ، والمعنى : يوم تتبدّل الأرض بأرضٍ غيرها وكذلك باقي السيّارات ، وتتبدّل الطبقات الغازية بطبقاتٍ غيرها ، وكذلك الطبقات الغازية التي للسيّارات الأخرى . وقال تعالى في سورة النجم {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} أي ينشئ مجموعة شمسية أخرى .
وقال الله تعالى في سورة فاطر {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُو الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ . إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} ، "فالخلق الجديد" هم الذين يخلقهم الله في السيّارات الجديدة . وقال تعالى في سورة إبراهيم {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} . وقال تعالى في سورة النساء {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} . وقال تعالى في سورة الدهر{نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} .
وجاء في مجموعة التوراة في صحف إشعيا النبي في الإصحاح الخامس والستين قال (لأنّي ها أنذا خالقٌ سماواتٍ جديدة وأرضاً جديدة فلا تُذكَر الأولى ولا تخطر على بال) .
استدراك حول موجة الحرّ التي اجتاحت العالَم مؤخّراً
والكتاب عند تجارب الطبع اجتاحت العالم موجة حرٍّ شديدة ، ارتفعت فيها درجات الحرارة والرطوبة بشكل غير طبيعي ولم يسبق له مثيل على ما نذكر .. والمتتبّع لدرجات الحرارة في فصل الصيف وبخاصّة في العراق يجد بأنّها لم تكن قد ارتفعت مرّة إلى هذه الحدود التي تعدّت نصف درجة الغليان بأكثر من درجة حتّى أصبحت تقلق راحة الناس وتهدّد صحّتهم .
وفي ظنّي أنّ سبب ذلك يعود إلى اقتراب الأرض من الشمس بضعة أميال على ضوء ما قد بيّناه في مقالنا الوارد على الصفحة 164 من هذا الكتاب [العربي ، الطبعة الرابعة سنة 1985] تحت عنوان (الأرض تقترب من الشمس) والذي قلنا فيه بأنّ حرارة جوف الأرض قد انخفضت عمّا كانت عليه سابقاً بسبب خروج النار والحمم من البراكين واستغلال النفط والغاز الطبيعي بشكل هائل . ولَمّا كانت القوّة الجاذبة تعمل في الجرم البارد أكثر فقد أثّرت جاذبية الشمس بالأرض أكثر من السابق فاقتربت الأرض من الشمس في هذه السنة 1987 م فازدادت بذلك الحرارة على الأرض . وإذا استمرّت الحرارة في فصول الصيف القادمة وبلغت درجاتها إلى الحدود التي وصلت إليها في هذه السنة فإنّ ذلك سيكون تأكيداً على صحّة ما ذهبنا أليه من اقتراب الأرض من الشمس وإلاّ فلا ..
انتهى بعون الله الجزء الأوّل وعنوانه (الكون والقرآن) ويليه الجزء الثاني وعنوانه (الإنسان بعد الموت) .
1. الكون والقرآن . وقد طبع ثلاث مرّات وهذه الرابعة : الطبعة الأولى سنة 1366 هجرية الموافق 1947 ميلادية طبع في مطبعة النجاح في بغداد . الطبعة الثانية بالموصل سنة 1347 هجرية الموافق 1955 ميلادية في مطبعة نينوى . الطبعة الثالثة طبع في بغداد مطبعة أسعد سنة 1348 هجرية الموافق 1978 ميلادية . الطبعة الرابعة في بغداد مطبعة الجامعة سنة 1405 هجرية الموافق 1985 ميلادية .
2. الإنسان بعد الموت . وقد طبع مرّتين ، الأولى سنة 1366 هجرية الموافق 1947 ميلادية طبع في بغداد مطبعة النجاح . والطبعة الثانية في بغداد مطبعة المعارف وذلك سنة 1383 هجرية الموافق 1964 ميلادية ، وألحقنا به جزءً آخر أسميناه (الردّ على الملحدين) .
3. المتشابه من القرآن . طبع في بيروت سنة 1386 هجرية الموافق 1966 ميلادية .
4. مشاكل الزواج والطلاق . طبع في الموصل في مطبعة الزهراء الحديثة . وذلك سنة 1381 هجرية الموافق 1961 ميلادية .
5. بين التوراة والقرآن خلاف . طبع في بغداد مطبعة أسعد . وذلك سنة 1404 هجرية الموافق 1983 ميلادية . وكلّها نفدت من الأسواق سوى الخامس ، أي الأخير .
6. وقد تمّ طبع كتاب (ساعة قضيتها مع الأرواح) في مطبعة الجاحظ وذلك في سنة 1985 ميلادية .
1. حقائق التأويل في الوحي والتنزيل . تفسير القرآن بأكمله .
2. حكم المواريث في القرآن .
3. كشف المعادن من خاماتِها .
انتقل محمّد علي حسن الحلي مؤلّف الكتاب إلى رحمة ربّه سنة 1991 ميلادية .
Man after Death An Hour with Ghosts The Universe and the Quran The Conflict between the Torah and the Quran الخلاف بين التوراة و القرآن الكون والقرآن المتشابه من القرآن ساعة قضيتها مع الأرواح