سورة النساء

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ) مخالفة (رَبَّكُمُ) فيما أمركم به ونهاكم عنه (الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) ذكرنا في كتابنا (الكون والقرآن) موضوع النفس الواحدة بالتفصيل تحت عنوان "الحياة إنتقالية" وشرحه كما يلي : لقد كانت كواكب سيّارة قبل كوكبنا وكانت مسكونة أيضاً ولَمّا انتهت حياتها وقامت قيامتها تمزّقت فصارت نيازك أي صارت قطعاً عديدة ، ولَمّا خلق الله تعالى أرضنا هذه سقط من تلك القطع على أرضنا فصارت جبالاً ، ولَمّا هطلت الأمطار على تلك الجبال أخذت البذور الموجودة في تلك الجبال تنبت وتنمو فصار منها نبات وأشجار وأثمار ، وخلق الله تعالى فوق تلك الجبال أنعاماً وطيوراً وغير ذلك ، وكان في الجبل قبر مندثر لبعض من كان يسكن ذلك الكوكب ، ولَمّا نزلت مياه الأمطار إلى ذلك القبر واختلطت بتلك الرمم البالية صارت طيناً منتنّاً ، فخلق الله تعالى آدم من ذلك الطين في ذلك القبر ، ولذلك تكبّر إبليس وامتنع عن السجود لآدم وقال أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين .

   فهذا معنى قوله تعالى (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) أي من بقايا رمم شخص واحد ، يعني خلق أباكم آدم فكنتم نسله ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} أي كنتم رمماً بالية فخلقكم منها وجعلكم أحياء تبصرون وتسمعون ، ثمّ قوله تعالى في سورة الحجر {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} فالحمأ معناه الأسود ، والمسنون معناه المنتن ، يعني من طين أسود منتن ، ثمّ قوله تعالى في سورة البلد {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} أي في كبد الجبل يعني في جوفه ، والإنسان يريد به آدم .

   ثمّ إنّ التناسل لا يكون إلاّ من نفسين ذكر وأنثى لا من نفس واحدة ، ولذلك قال تعالى في سورة الحجرات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} .

   أمّا قوله تعالى (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) يعني وخلق من تلك الطينة زوجة لآدم وهي حوّاء (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا) أي نشر وفرّق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجالاً (وَنِسَاء) فيجب عليكم يا أولاد آدم أن تتعارفوا فيما بينكم وتتراحموا لأنّكم من أب واحد وأم واحدة (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ) أي تتساءلون به ، فحذفت إحدى التائين لتسهيل الكلام ، والمعنى يسأل بعضكم بعضاً فيقول أسألك بالله أن تعطيني كذا ، وأسألك بالله أن تقضي حاجتي ، وهكذا يسأل بعضكم بعضاً ، وهذا تعظيماً له فيجب عليكم أن تتّقوه بأفعالكم كما تعظّموه بأقوالكم (وَالأَرْحَامَ) أي واتّقوا الله في أرحامكم فلا تؤذوهم ولا تنفروا منهم بل يجب عليكم أن ترحموهم وتشفقوا عليهم وتَصِلوهم بالخيرات وخاصّةً الفقير منهم واليتيم والشيخ الكبير (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) اي يراقبكم فيرى أعمالكم وأفعالكم ثمّ يجازيكم عليها في الآخرة .

5 – (وَلاَ تُؤْتُواْ) أي ولا تعطوا (السُّفَهَاء) من نسائكم وأولادكم وربائبكم وأيتامكم لا تعطوهم (أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) تقومون بِها في معاشكم وتقضون بِها حوائجكم ، والمعنى إذا كانت زوجتك نافصة العقل والتدبير مبذّرة للمال فلا تسلّم أموالك بيدها تتصرّف بِها كيف تشاء لأنّها تبعثر أموالك وتصرفها في أشياء تافهة لا قيمة لها وليست ضرورية ، وكذلك ابنك أو ربيبك أو اليتيم الذي في بيتك الذي آويته في سبيل الله إن كان سفيهاً مبذّراً للمال فلا تسلّم أموالك بيده يتصرّف بِها كما يشاء ولا تعطِه مفاتيح حانوتك أو تجعله وكيلاً على أملاكك لأنّه يخونك ويسرق من أموالك ويبذّرها وأنت لا تعلم وذلك لأنّه سفيه والسفيه لا تثق به ولا تعتمد عليه في جميع الأشياء (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) والمعنى يجب أن تقوم أنت بنفسك بأمر معاشهم وكسوتهم فتعطيهم على قدر حاجتهم فإن أرادوا الزيادة على نفقاتهم أو كسوتهم فاعتذروا إليهم (وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) اي لا تعاملوهم بالقوّة والضرب والشتم بل عاملوهم بلين الكلام وحسّنوا لهم المقام لتنالوا المرام ، لأنّ السفيه ينقاد بالكلام الليّن والوعد الحسن .

   ومن أهم أمور التبذير عند المرأة الملابس وأدوات الزينة التي تتزيّن بِها اليوم وتتجمّل فإذا تركتَ أموالك بيدها تتصرّف بِها كما تشاء فإنّها تواظب على شراء الملابس والأحذية وما تتزيّن به ولا تكتفي بثوب أو ثوبين بل في كلّ شهر تلبس ثوباً جديداً وحذاءً جديداً وتبعثر الملابس القديمة ولا تعتني بِها وذلك لأنّها لم تتعب بجمع المال بل حصلت عليه بغير تعب ولا مشقّة و في ذلك قال الشاعر :

فمَن أخذَ البلادَ بِغيرِ حربٍ          يهونُ عليهِ تسليمُ البِلادِ

   أما ابنك أو ربيبك أو اليتيم الذي عندك فإنّه يبذّر المال إن كان سفيهاً فيشتري ما تشتهي نفسه من ملاعيب وأدوات وملابس وغير ذلك ، وربّما أخذ يلعب القمار ويشرب الخمر وأنت لا تعلم به ، أو يصاحب أولاداً على شاكلته فينفق عليهم الدنانير ويبذّر عليهم الأموال وأنت لا تعلم به ، فلذلك لا تعتمد على أحد من هؤلاء ولا تسلّم أموالك بيده بل اعتمد على نفسك وأدِر شؤونك بنفسك تنجحْ .

6 – (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى) أي اختبروهم في عقلهم ودينهم (حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ) وذلك في الخامسة عشرة من أعمارهم (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا) معناه فإن علمتم منهم رشداً بالعقل وقدرتهم على حفظ مالهم (فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا) أي لا تأخذوا من أموالهم زيادة على ما تستحقّونه من الأجرة على رعي أغنامهم وخدمتها أو فلاحة في بستانهم أو حراثة في أرضهم و سقي زرعهم أو بناء دارهم أو غير ذلك من الأعمال التي تستحقّون بِها الأجرة على العمل . والخطاب لأولياء الأيتام (وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ) أي ومبادرةً لكبَرهم ، ومعناه لا تبادروا الأخذ بالكثير من أموالهم زيادةً على أجرتكم خوفاً من أن يكبروا فيذهب المال منكم ويعود إليهم وبذلك تغتنمون فرصة الوقت (وَمَن كَانَ غَنِيًّا) من أولياء الأيتام ، اي الأوصياء (فَلْيَسْتَعْفِفْ) عن أخذ أجرة العمل وأجره عند الله (وَمَن كَانَ فَقِيرًا) من أولياء الأيتام (فَلْيَأْكُلْ) أجرته (بِالْمَعْرُوفِ) لا يزيد ولا ينقص بل يأخذ من مال اليتيم أجرة على عمله كما يأخذ غيره من العمّال (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) حين بلوغ الرشد (فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ) شهيدين أو أكثر كي لا يقع جحود بعد ذلك (وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا) أي محاسباً ومعاقباً فاحذروا عقابه يا أولياء الأيتام ولا تأخذوا من أموالهم ما لا تستحقّونه .

7 – كانت العرب في الجاهلية يورثون الذكور دون الإناث فنزلت هذه الآية ردّاً لقولهم (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ) من الميراث (مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) بعد موتِهم (وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ) من الميراث أيضاً (مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) أي سواء كان الميراث قليلاً أو كثيراً فللذكر مثل حظّ الأنثيين (نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) فرضه الله عليكم وأوجبه فلا تخالفوا شرايعه .

8 – ثمّ بيّن سبحانه حال من لا يرث من أقرباء الميّت فقال (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) أي حين قسمة الأموال المنقولة كالحنطة والزبيب والتمر وغير ذلك (أُوْلُواْ الْقُرْبَى) أي قرابة الميّت يعني الفقراء منهم الذين لا يرثون (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ) الذين حضروا القسمة (فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ) أي فأعطوهم من ذلك المال ، والخطاب لأولياء الأيتام ، وذلك بأن يخرج الوليّ عشر المال المنقول قبل قسمته ويوزّعه عليهم (وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) وذلك بأن يقول لهم يبارك الله لكم في رزقكم وييسّر لكم أمركم ويعطيكم من فضله .

9 – ثمّ حذّر الله أولياء الأيتام من أكل مال اليتيم بغير استحقاق فقال (وَلْيَخْشَ) أي وليخافوا ويحذروا ، فالمخاطَب بذلك أولياء الأيتام (الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ) بعد موتِهم (ذُرِّيَّةً ضِعَافًا) أي أولاداً صغاراً لا قدرة لهم على تحصيل العيش (خَافُواْ عَلَيْهِمْ) الفقر والذلّ من بعدهم والمعنى لا يأكلوا أموال اليتامى بغير استحقاق ولا تؤذوهم ولا تضربوهم فإنّ لكم أولاداً أيضاً فإن فعلتم ذلك مع الأيتام فإنّ الله سيجعل أولادكم أيتاماً ذليلين حقيرين من بعدكم ، أمّا إذا لم يحِنْ أجلكم فسيصيبكم بفاجعة مؤلمة في دار الدنيا بسبب أكلكم أموال الأيتام وأذاهم ، وهي أن يميت أعزّ أولادكم عندكم وذلك عقاباً لكم في الدنيا وفي الآخرة عذاب النار وبئس المصير (فَلْيَتَّقُوا اللّهَ) في اليتامى فلا يأكلوا أموالهم ولا يؤذوهم إذا بدا من أحدهم ذنب على جهل منهم بل يرشدونهم وينصحونهم (وَلْيَقُولُواْ) لهم (قَوْلاً سَدِيدًا) أي كلاماً معقولاً بلا سبّ ولا شتم ولا إهانة .

   ويجب على وليّ اليتيم أن يجعله في مدرسة ليتعلّم القراءة والكتابة أو يجعله في صنعة كنجارة أو حدادة أو غير ذلك لتكون الصنعة سبباً لمعاشه في مستقبله ، فقد قيل في المثل صنعة في اليد أمان من الفقر ، ولا يجوز له أن يتركه بلا صنعة كي يستفيد هو من استخدامه .

10 – (إِنَّ) أولياء الأيتام أو غيرهم من سائر الناس (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) بغير استحقاق (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ) يوم القيامة ناراً ويدخل (فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) أيضاً من غير الأكل (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) يعني يحترقون بنار مستعرة أي متوهّجة .

11 ثمّ بيّن الله تعالى ما أجمله فيما تقدّم من قوله {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ..الخ} بِما فصّله في هذه الآية فقال (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) أي في ميراث أولادكم (لِلذَّكَرِ) منهم (مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) أي للإبن من الميراث مثل نصيب البنتين إن لم يكن للميّت أب ولا أمّ ولا أخ1، ثمّ بيّن الله تعالى القسمة بينهم في حال وجود أبوين للميّت في قيد الحياة يعني جدّ الأولاد وجدّتهم مع كون الورثة إناثاً وليس فيهم ذكر فقال (فَإِن كُنَّ نِسَاء) لا ذكر فيهنّ وهنّ (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) أي اثنتين فما فوق ، يعني فأكثر من ذلك (فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) أبوهما من الميراث ، أي لهنّ ثلثا الترِكة يقسم بينهنّ ، والثلث الباقي لأبويه لكلّ واحد منهما السدس ، يعني للأب سدس وللأمّ سدس2 (وَإِن كَانَتْ) البنت (وَاحِدَةً) وكان للميّت أخ مع وجود الأبوين في قيد الحياة (فَلَهَا النِّصْفُ) من الميراث (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ) ولأخيه السدس أيضاً ، فيكون المجموع ستّ حصص ثلاث منها للبنت وواحدة للأب ومثلها للأمّ وأخرى لأخي الميّت الذي هو عمّ البنت3 أمّا إذا لم يكن للميّت أخ في قيد الحياة فتقسم ترِكته كما يلي : نصف لابنته وربع لأبيه وربع لأمّه (مِمَّا تَرَكَ) أي مِمّا ترك الميّت من المال ، وذلك (إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) يعني إن كان للميّت أولاد ، فكلمة ولد تشمل  الذكور والإناث .

   ثمّ بيّن سبحانه كيفية القسمة إن لم يكن للميّت أولاد بل له أب وأم وأخ في قيد الحياة فقال (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ) أي للميّت (وَلَدٌ) أي أولاداً يرثونه لا ذكوراً ولا إناثاً (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ) أي وصار الإرث لأبويه مع وجود أخ للميّت (فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ) ولأبيه ثلث ولأخيه ثلث ، فتكون القسمة بين الأب والأم والأخ متساوية لكلّ واحد منهم ثلث .

   أمّا إذا كان أحد الأبوين ميّتاً والآخر في قيد الحياة فلأمّه النصف من الميراث والنصف الآخر لأخيه (فَإِن كَانَ لَهُ) أي للميّت (إِخْوَةٌ) أربعة (فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) ولأبيه سدس ولكلّ واحد من إخوته سدس ، وبذلك تكون الأسهم متساوية بين الأب والأم والإخوة .

   وإذا كان أحد الأبوين ميّتاً والآخر في قيد الحياة فلكلّ واحد منهم خمس ، أي للأب حصّة واحدة ولكلّ واحد من الإخوة حصّة واحدة ، فيكون المجموع خمس حصص ، وهكذا تكون القسمة بينهم فما زاد من الإخوة أو نقص فالقسمة تكون بينهم وبين الأم والأب متساوية ، وذلك (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا) الميّت قبل مماته4 إن لم يكن عليه دين وإلاّ فالوفاء بالدًّين قبل الإنجاز بالوصيّة (أَوْ دَيْنٍ) توفون به إن كان مديوناً . فهؤلاء الوارثون لكم هم (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) الآباء أم الأبناء بل الله يعلم ذلك ففرض عليكم هذه القسمة (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ) عليكم ، أي فرض الله ذلك فريضةً عليكم (إِنَّ اللّهَ كَانَ) ولا يزال (عَلِيما) بمصالحكم (حَكِيمًا) فيما يحكم به عليكم من القسمة وغيرها .

-------------------------------

1 فإن كان أحد الأبوين في قيد الحياة فله السدس ويقسم الباقي على الأولاد للذكر منهم مثل حظّ الأنثيين ، وإن كان الأبوان في قيد الحياة فلهما الثلث ويقسم الباقي على الأولاد .

2 وكذلك لو كانا ولدين فلهما الثلثان ولكلّ واحد من الأبوين السدس ، ولا يرث عمّ الأولاد .

3 أمّا إذا كان الوارث ولداً واحداً بدل البنت فلكلّ واحد من أبي الميّت وأمّه السدس ، والباقي للولد وليس لعمّه شيء . فأخو الميّت لا يرِث أخاه في حال وجود أولاد ذكور لأخيه ، ولكن له نصيب من إرث أخيه إن كان لأخيه بنتٌ واحدة فقط ، وله من إرث أخيه أيضاً إن لم يكن لأخيه أولاد لا ذكوراً ولا إناثاً .

4 وليس له حقّ أن يوصي ويخرج من ماله أكثر من الثلث .

 

12 ثمّ بيّن سبحانه قسمة الميراث بين الزوجات والأزواج فقال (وَلَكُمْ) أيّها الأزواج (نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) أي زوجاتكم من الميراث (إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ) لا ذكراً ولا أنثى ولا إبن الولد ، لأنّ ابن الولد يكون حكمه حكم الولد أي يقوم مقام أبيه في الميراث ، وتقدير الآية يكون كما يأتي : إن لم يكن لهنّ ولد ولا والد ففي هذه الحالة يكون نصف الإرث لزوجها والنصف الباقي لأخيها ، أمّا إذا كان لها والد واحد وأخ واحد أي كان لها وارثان فلزوجها الثلث من الميراث ولأبيها ثلث ولأخيها ثلث ، وإذا كان لَها أب وأم وأخ في قيد الحياة فلزوجها الربع ولكلٍّ من هؤلاء الثلاثة ربع من الميراث ، ولا ينقص من ربع الزوج مهما زاد عدد الإخوة والأخوات (فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) من الميراث ونصف لابنها وربع لأبويها (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) قد مرّ تفسيرها (وَلَهُنَّ) أي ولزوجاتكم (الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) من الميراث (إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ) والباقي لأبويكم وإخوتكم ، واحدة كانت الزوجة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً لم يكن لهنّ أكثر من ذلك (فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ) ذكر أو أنثى أو إبن الولد (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم) من الميراث ، سواء كانت الزوجة واحدة أو أكثر من ذلك (مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا) أيّها الأزواج (أَوْ دَيْنٍ) يوفّى عنكم .

   ثمّ بيّن سبحانه حكم من مات وليس له ولد ولا والد بل له جدٌّ وجدّة فقال (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً) مفردها "كليل" على وزن سليل وسلالة ، وهو العاجز عن العمل لكبر سنّه ، فالكلالة هنا يريد بِهم جدّ الميّت وجدّته ، والمعنى إذا مات رجل وصار إرثه إلى كلالته ، أي إلى جدّه وجدّته لأنّه لا ولد له فيرثه ولا والد (أَو امْرَأَةٌ) وهي تورث كلالةً أيضاً (وَلَهُ) اي للميّت (أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) في قيد الحياة (فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا) أي من الأخ والأخت (السُّدُسُ) ولجدّه الثلث ولجدّته الثلث ، والمعنى تقسم ترِكته أي ما ترك من المال إلى ستّ حصص فيكون لأخيه حصّة ولأخته حصّة ولجدّه حصّتان ولجدّته حصّتان ، فالمجموع يكون ستّ حصص ، وإنّما جعل الله تعالى حصّة الجدّ والجدّة أكثر من حصّة الأخ والأخت لأنّهما عاجزان عن العمل لكبر سنّهما أمّا الأخ والأخت فيمكنهما أن يكسبا ويحصلا على قوتِهما1 (فَإِن كَانُوَاْ) أي الإخوة (أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ) في العدد (فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ) الذي أصابَهم من الميراث ، والثلثان الباقيان للجدّ والجدّة (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ) أي غير موصين وصيّة تضرّ بالورثة ، يعني لا يوصي بماله لواحد من الورثة ويحرم الباقين من ماله ، أو يوقف ماله لبعض الأئمة أو المشايخ ويترك أطفاله معوزين فهذا لا يجوز (وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ) يوصيكم بِها فلا تخالفوا أوامره (وَاللّهُ عَلِيمٌ) بمصالح عباده (حَلِيمٌ) لا يعاجل العصاة بالعقوبة .

---------------------------------------------------------

1 أمّا إذا كان أخ واحد للميّت وليس معه أخت فله الثلث ولجدّه ثلث ولجدّته ثلث ، وكذلك لو كانت أخت واحدة للميّت وليس معها أخ .

 

17 – (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) اي التي ضمن على نفسه قبولَها بفضله (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ) أي يعملون الذنوب الصغائر بجهالة ، يعني جاهلين عقابَها وعاقبتها ، فالإنسان لم يزل جاهلاً حتّى يبلغ الأربعين من عمره فحينئذٍ يزداد عقله بالتجارب ويذهب جهله بالتدريج وفي ذلك قال الشاعر:

وماذا يَلمِزُ الأعداءُ منّي          وقدْ جاوَزْتُ سنّ الأربعينا

(ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) أي من وقت قريب لليوم الذي عملوا فيه الذنب ، والمعنى يتوبون بعد فراغهم بوقت قريب (فَأُوْلَـئِكَ) التائبون (يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ) اي يقبل توبتهم (وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً) بمصالح العباد (حَكِيماً) فيما يعاملهم به .

18 – (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ) المقبوله عند الله هي (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) على الدوام (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ) ملك (الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) فأولائك لا تقبل توبتهم (وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) فأولائك لا تقبل توبتهم بعد الموت و (أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا) أي أعددنا يعني هيّأنا (لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) في الآخرة .

29 – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) أي لا يأخذ بعضكم أموال بعض بدون استحقاق ، وذلك كالرشوة والقمار والربا وغير ذلك من اغتصاب أموال الناس (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً) أي مبايعة (عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) أي تجارة صادرة عن تراضٍ منكم (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) لسبب من الأسباب ، فإنّ بعض الناس ينتحر لسبب فقر أصابه أو كرب أو ضيق أو شدّة ، فإن أصابك كرب أو مصيبة فلا تقتل نفسك بل اسأل من ربّك أن يفرّج كربك واصبر قليلاً فإنّ الله تعالى سيفرّج عنك كربك ويزيل همّك ويشرح صدرك ، فقد قال الله تعالى في سورة الشرح {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} وقيل في المثل : الصبر مفتاح الفرج (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فلا يريد الله أن يديم عليكم العسر بل يريد أن يمتحنكم بذلك فيرى هل تصبرون أم تكفرون .

30 – (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ) فيأكل أموال الناس (عُدْوَانًا) أي تجاوزاً لحدود الله وذلك كالسلب والنهب والسرقة (وَظُلْمًا) وذلك كالرشوة والربا وإنكار الأمانة وغير ذلك (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا) يصلى بِها يوم القيامة (وَكَانَ ذَلِكَ) العذاب في النار (عَلَى اللّهِ يَسِيرًا) أي هيّناً لا يمنعه منه مانع ولا يدفعه عنه دافع . واعلم أنّ الدنيا مدرسة للإنسان فالحوادث والمصائب تكسب الإنسان معلومات فيزداد عقله تدريجياً فيصبح عالماً بالأمور وفي ذلك قيل :

جزَى الله الشدائدَ كلّ خيرٍ         عرفتُ بِها عدوّي مِن صديقي

   ولو كُشِف الغطاء عن الإنسان لعلم أن ليس في الدنيا مصيية حتّى الموت ، وإليك مثلاً في ذلك : إنّ أعزّ الأشياء على الإنسان في الدنيا إبنه الصغير إذا كان عمره بضع سنوات لأنّه يأنس به ويلاعبه ، فإذا مات هذا الولد فموته أكبر مصيبة على والديه ، وفي ذلك قيل : موت الولد صدع في الكبد لا ينجبر إلى الأبد . فلو كشف الغطاء عن والده وعَلِم عِلْمَ اليقين لرأى أنّ موتَ ابنه الصغير نعمة من الله عليه وليست مصيبة . ولعلّك أنكرت عليّ ايّها القارئ الكريم قولي هذا فتقول : كيف يكون موت الولد نعمة ؟ أقول لك إنّ الإنسان لا يموت بل ينتقل بموته من عالم مادّي إلى عالم أثيري ، وأرواح الأطفال لا تكبر بل تبقى على ما كانت عليه حين موتِها ، فالإنسان لا يتناسل في عالم الأثير ولا يكون له أولاد إلاّ من مات وهو طفل صغير ، فإذا مات أبوه وجد ابنه هناك فيفرح به ويبقى الولد عند أبويه يأنسان به ويلاعبانه في عالم الأثير ، فحينئذٍ يعلمان علم اليقين بأنّ موت ابنهما وهو طفل صغير كان نعمة من الله عليهما إذ لو لم يمت لَما كان لهما طفل في عالم الأثير يأنسان به ، فحينئذٍ يشكران الله على موت ابنهما في سنّ الطفولة .

   وهكذا كلّ المصائب لو صبرنا عليها لوجدناها في العاقبة نعمة وليست مصيبة ، فهوّن عليك الأمور ولا تحزن لِما فاتك ولا تفرح بِما آتاك .

31 – لَمّا نزل قوله تعالى في سورة الزمر {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ، قال بعض الصحابة يا رسول الله أيغفر الله الكبائر والصغائر ؟ فنزلت هذه الآية (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) والمعنى إن تجتنبوا الكبائر نكفّر عنكم الصغائر إذا تبتم ، يعني إن تبتم عن ذنب صغير نقبل توبتكم ، وإن تبتم عن ذنب كبير فلا نقبل توبتكم حتّى يقام عليكم الحدّ إن كان فيه حدّ وترجعوا أموال الناس وحقوقهم إن كنتم اغتصبتم حقوقهم ثمّ تتوبون فحينئذٍ نقبل توبتكم .

   فالسارق يجب عليه أن يعيد المال الذي سرقه إلى صاحبه ثمّ يتوب ، وعاقّ الوالدين يجب عليه أن يرضي أبويه ثمّ يتوب ، وقاتل النفس يجب عليه أن يدفع ديتها ثمّ يتوب ، والذي يرمي المحصنة بالفحشاء1 يجب عليه أن يطلب رضاها فيدفع لها الأموال أو يعمل معها معروفاً حتّى ترضى عليه وتغفر له زلّته ثمّ يتوب ، وهكذا يجب عليه أن يؤدّي حقوق الناس التي اغتصبها ثمّ يتوب فتقبل توبته وإلاّ فلا .

   والكبائر كلّ ذنب يقام عليه الحدّ ، أو اغتصاب حقّ من حقوق الناس ، وأعظم الكبائر الإشراك بالله ، ومن الكبائر قتل النفس المؤمنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وعقوق الوالدين والفرار من الزحف في قتال الكافرين ، والزنا بامرأةٍ متزوّجة ، ومنع المرأة من الزواج ، والفتنة بين صديقين حتّى تكون بينهما العداوة ، وإيقاع المحصنة بالزنا وغيرها من الذنوب (وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) اي مكاناً طيباً حسناً وذلك لِمن تجنّب الكبائر وتاب عن الصغائر .

---------------------------

1 أي يتّهمها بالزنا وهي غير زانية فيجب عليه أن يعترف بخطيئته عند من ذكرها عنده بالزنا .

 

33 – (وَلِكُلٍّ) من الرجال والنساء (جَعَلْنَا مَوَالِيَ) مفردها مولى ، وهو الذي يتولّى أمرك ويقوم بإدارة شؤونك ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} . يعني سيّدكم والذي يقوم برعايتكم , ومِمّا يؤيّد هذا قول زكريّافي سورة مريم {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي} أي خفت من تكون له الولاية على الحكم من بعدي . والمعنى جعلنا لكلٍّ من الرجال والنساء ولايةً ورعايةً على حصصهم وأملاكهم من الميراث (مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) من المال .

   ثمّ أوصى سبحانه في المماليك بأن يعطوهم حقّهم إذا استعملوهم في تجارة أو صنعة أو حرفة فقال (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) من العبيد (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) من المال الذي اكتسبوه ، والمعنى والذين تعاقدتم معهم على تجارة يتاجرون بِها لكم أو حرفة أو عمل أوصنعة يشتغلون بِها ويأتونكم بالمال الذي يحصلون عليه فآتوهم نصيبهم منه كما تعاقدتم معهم ، فأن تعاقدتم معهم بالمناصفة فأعطوهم نصف الربح من التجارة ونصف المال من عملهم إن عملوا ولا تنقصوهم من حقّهم شيئاً (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) أي حاضراً يسمع ويرى فيعاقبكم في الآخرة إن لم تعطوهم نصيبهم .

فالمعاقدة هي المعاهدة والمكاتبة ، ونظيرها في سورة النور قوله تعالى{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} .

36 – (وَاعْبُدُواْ اللّهَ) وحده (وَلاَ تُشْرِكُواْ) في العبادة (بِهِ شَيْئًا) من المخلوقين والمخلوقات فلا تعبدوا الملائكة ولا الأنبياء ولا الأئمة ولا المشايخ ولا القبور بل اجعلوا أعمالكم خالصة لوجه الله (وَ) أحسنوا (بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) بالقول والعمل (وَبِذِي الْقُرْبَى) أي الأقرباء (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) أي جارك القريب منك في الجوار يعني الذي داره أمام دارك (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) اي جارك الذي عن جنبك يعني عن يمينك وعن شمالك أحسِن إليه أيضاً (وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ) يعني رفيقك في سفرك والعامل في معملك والحارث في زرعك والفلاّح في بستانك والراعي في غنمك وغير ذلك مِمّن يعمل عندك (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي المسافر ، يعني الغريب المنقطع يجب عليك أن تحسن إليه وتكرمه ، وكذلك الضيف فإنه مسافر عن أهله فيجب عليك أن تكرمه وتحسن إليه ، ومدّة الضيافة ثلاثة أيام وبعدها يأكل صدقة (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) من المماليك والعبيد والخدم (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً) أي متكبّراً على العمّال والخدم وغيرهم (فَخُورًا) على الناس بِما أوتي من المال .

43 – جلس اثنان من الصحابة في المسجد يتحدّثان ليلاً وكان أحدهما نعساناً ، فجاء رجل آخر وأخذ يصلّي قريباً منهما فقرأ في صلاته {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، فقال الجالس لرفيقه النعسان هل تحفظ هذه السورة ؟  فقال نعم ، وأخذ يقرأ يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون . فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى) من النعاس ، والمعنى لا تجلسوا في المساجد قرب المصلّين وأنتم سكارى من شدّة النعاس (حَتَّىَ) معناها كي (تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) أي كي تعلموا ما تقرؤون . فقد روي عن عائشة عن النبيّ أنّه قال : إذا نعس أحدكم وهو يصلّي فلينصرف لعلّه يدعو على نفسه وهو لا يدري . فالنعسان كالسكران ، وقد يكون الإنسان سكرانا من الهموم أو العذاب ، فقد قال الله تعالى في سورة الحج {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}1 ، (وَلاَ) تجلسوا في المساجد (جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) فلا بأس من ذلك ، يعني إلاّ إذا كان المسجد له بابان وأراد أحدكم أن يعبر الطريق فيدخل من هذه الباب ويخرج من الأخرى وهو مجنب فلا بأس عليه ، أمّا الجلوس في المسجد فلا يجوز لِمن كان مجنباً (حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ) بالماء من حدث الجنابة فحينئذٍ لا بأس عليكم من الجلوس في المساجد .

   ثمّ بيّن سبحانه الحكم في ذلك عند فقدان الماء وحكم المريض الذي يضرّه الماء فقال (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) في مرض يضرّه الماء (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) أي مسافرين ولم تجدوا ماءً (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ) أي من التغوّط وهو كناية عن قضاء الحاجة (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) المراد به الجماع (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء) لتغتسلوا وتتطهّروا (فَتَيَمَّمُواْ) أي فاقصدوا (صَعِيدًا طَيِّبًا) أي طاهراً من الأقذار ، والصعيد وجه الأرض ، يعني المكان المرتفع قليلاً (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) من ترابه ، وذلك بأن تبسط كفّيك وتضرب التراب مرّةً وتمسح بِها وجهك وضربة ثانية تمسح بِها يديك إلى المرفقين (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا) بالترخيص لكم والتيسير (غَفُورًا) عن الخطأ والتقصير . وعند حضور الماء يبطل التيمّم إلاّ المريض الذي يضرّه الماء ، وإذا كنت جنباً وجلست [: أي استيقظت من نومك] متأخّراً وقد ضايقك الوقت لصلاة الصبح وكان الوقت شتاءً فلا تغتسل بالماء البارد فتعرّض نفسك للمرض فتوضّأ وصلِّ قبل فوات الوقت ثمّ سخّن الماء واغتسل عن الجنابة ، وإذا كان في وجهك جرح يضرّه الماء فتيمّم وصلِّ وإذا كان الجرح في إحدى يديك أو رجليك فتوضّأ وامسح فوق الضماد الذي على الجرح وصلِّ .

------------------------------

[1 جعل المفسّرون ينصّون على أنّ في القرآن ناسخاً ومنسوخاً ولم يفطنوا لمعنى النسخ إلاّ المؤلّف نفسه فنصّ على عدم وجود الناسخ والمنسوخ ، بينما كان تفسيرهم تفسيراً لا ترتضيه العقول ولا تتقبّله النفوس ، ومن ذلك هذه الآية التي كانوا قد زعموا أنّها أوّل آية حرّمت الخمر تدريجياً والحقيقة أنّ السكر كان من النعاس لا من الخمر الذي زعموا ، وبذلك يكون المؤلّف أوّل من أفحم أهل الكتاب في زعمهم أنّ توراتهم وإنجيلهم مثبتان بينما القرآن فيه منسوخ . فليس القرآن إلاّ مثبَتاً جميعه –                        المراجع]

 

44 – (أَلَمْ تَرَ) يا محمّد (إِلَى) اليهود (الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا) أي قسطاً أو حصّة (مِّنَ الْكِتَابِ) يعني من الكتب السماوية وهو التوراة (يَشْتَرُونَ) أي يستبدلون (الضَّلاَلَةَ) بالهدى إذا سألتموهم شيئاً فبدل أن يرشدوكم إلى الصواب يضلّونكم عن الحقّ (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) أي الطريق فيفرحون بذلك لأنّهم أعداؤكم .

45 – (وَاللّهُ أَعْلَمُ) منكم (بِأَعْدَائِكُمْ) أيّها المسلمون فلا توالوهم ولا تستنصروهم (وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا) عن ولايتهم (وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) عن نصرتهم .

46 – (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ) أي من اليهود فريق (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) أي يغيّرون الكلام عن أصله فيسبّون بدل أن يحمدوا (وَيَقُولُونَ) إذا سمعوا قول الرسول (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) أي يقولون سمعنا جهراً وعصينا سراً (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي ويقولون اسمع منّا يا محمّد ما نقول ، وفي قلوبهم يقولون غير مسمع منك ، أي لا نسمع لقولك (وَرَاعِنَا) أي أمهلنا لنفهم ما تقول ، ولكنّهم يقصدون بِهذه الكلمة الرعونة أي خفّة العقل (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) أي تقلّباً وفتلاً بألسنتهم من الكلام الحسن إلى الكلام المكروه (وَطَعْنًا) منهم (فِي الدِّينِ) الذي أنتم عليه أيّها المسلمون (وَلَوْ أَنَّهُمْ) أي اليهود (قَالُواْ سَمِعْنَا) قولك (وَأَطَعْنَا) أمرك (وَاسْمَعْ) منّا ما نقول (وَانظُرْنَا) أي انتظرنا قليلاً كي نفهم ما تقول (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) مِمّا تكلّموا به (وَأَقْوَمَ) أي وأعدل وأصوب في الكلام من الطعن (وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ) في قديم الزمان (بِكُفْرِهِمْ) أي بسبب كفرهم بالله وعبادتهم للبعل والأوثان وعشتاروث (فَلاَ يُؤْمِنُونَ) بك يا محمّد (إِلاَّ قَلِيلاً) منهم . وكان كما أخبر الله تعالى عنهم فقد آمن منهم نفر قليل وهم عبد الله بن سلام وأصحابه .

47– ثمّ خاطب الله اليهود بالتخويف والتحذير فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) يعني التوراة (آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا) على محمّد من القرآن الذي هو (مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم) من التوحيد ونبذ عبادة الأصنام (مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) الوجوه يعني الوجهاء وهم القادة والرؤساء ، والطمس محو الأثر منهم ، والمعنى من قبل أن نمحو رؤساءهم ووجهاءهم من قيد الحياة فنهلكهم بالموت ولا نبقي لهم قادة يقتدون بِهم (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) بالعذاب بأن ننزل عليهم الطاعون أو نوعاً آخر من المرض أو نجعلهم مغلوبين أذلاء صاغرين (كَمَا لَعَنَّا) أسلافهم وهم (أَصْحَابَ السَّبْتِ) الذين اعتدوا فيه فصادوا السمك يوم السبت فلعنّاهم بالعذاب (وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ) الذي وعد به من طمس الوجوه أو لعنها بالعذاب (مَفْعُولاً) أي كائناً لا محالة .

48 – لَمّا نزلت هذه الآية في سورة الزمر : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ...الخ } تلاها النبيّ على المنبر فقام إليه رجل فقال والشرك بالله ؟ فنزلت هذه الآية (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) والمعنى إنّ الله لا يغفر للمشركين ذنوبهم ولو كانت من الصغائر ، وذلك لأنّ الإشراك بالله أكبر الكبائر (وَيَغْفِرُ) للموحّدين (مَا دُونَ ذَلِكَ) أي ما دون الإشراك ، والمعنى ويغفر ذنوب الموحّدين وإن كانت من الكبائر ولكن بشروط ، وهي التي ذكرناها في تفسير قوله تعالى [في هذه السورة] {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ، (لِمَن يَشَاء) يعني لمن يحبّ ، فإنّ الله تعالى يحبّ الموحّدين والصالحين والمترحّمين على الناس ، ولا يحبّ المشركين والمنافقين والكافرين والظالمين الذين يظلمون الناس (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى) أي كذب بادّعائه أنّ هؤلاء شفعاؤه عند الله وأثم على ذلك (إِثْمًا عَظِيمًا) غير مغفور له .

   وهنا أوجّه سؤالاً إليك أيّها القارئ الكريم وهو : هل أنت من الموحّدين فتفوز بالغفران أم أنت من المشركين فتحرم من الجنان ؟

   أقول إنّ أكثر الناس اليوم مشركون ولكن لا يعلمون أنّهم على منهج الإشراك بل يحسبون أنّهم مهتدون وعلى طريق الحقّ سائرون ، وقد قال الله تعالى فيهم وفي أمثالهم [ في سورة الكهف ]{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} ، والمعنى أنّ هؤلاء يصلّون ويصومون ويتعبّدون وينفقون ولكن يشركون بعبادتِهم غير الله فلذلك خسروا أعمالهم فضلّت أي ضاعت وذهبت أدراج الرياح فلا يجزون عليها وذلك لأنّهم أشركوا بِها المخلوقين مع الخالق .

   وإذا سألت أحداً من هؤلاء لماذا تشرك ؟ فيجيبك قائلاً : أنا لم أشرك بربّي أحداً ، فإن قلت له لماذا تعبد الصنم أو البقرة أو غير ذلك ؟ فيقول هؤلاء شفعاؤنا عند الله . وبذلك يعتقد أنه موحّد غير مشرك وإنّما يقدّس هذا المخلوق ويحترمه ليشفع له عند الله ، ولذلك لَمّا يسألون يوم القيامة يقولون : والله ربِّنا ما كنّا مشركين .

   ولقد قال لي أحد الخدم في كربلاء أنه سافر إلى الهند فرأى قوماً يعبدون البقر فقال لأحدهم هل تعتقد أنّ هذه البقرة إلاهك فتعبدها ؟ فقال : كلاّ إنّ ربّي الله الذي خلقني ورزقني ، قال : إذاً لماذا تعبد هذه البقرة ؟ قال : أصغِ إليّ لأفهمك ، قلت أنا صاغٍ إلى قولك ، قال إننا بشر وهل في البشر أحد لا يذنب ، قلت كلاّ كلّنا مذنبون ، قال هل لهذه البقرة ذنب ؟ قلت كلاّ إنّها حيوان وليس على الحيوان واجبات دينية ، قال إذاً هذه البقرة أقرب عند الله منّي لأنّها لم تذنب وأنا أذنبت فأنا أجعلها شفيعة عند الله .

   فهذه عقائد وجدوا آباءهم سائرين عليها فساروا خلفهم وقالوا : إنًا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون .

   والآن أعطيك أسئلة امتحان إمتحن نفسك بِها وبعد الامتحان انظر وفكّر واعرف نفسك هل أنت من الموحّدين أم من المشركين ، فإن وجدت نفسك من الموحّدين فقل الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله . وإن وجدت نفسك من المشركين فاترك الإشراك ولا تتمسّك بالتعصّب فتخسر وكن من الموحّدين تنجح في الدارين .

أوّلاً أنظر هل أنت من المقلّدين أم من المفكّرين ، فإن كنت من المقلّدين فاترك التقليد واستعمل عقلك وفكرك في كلّ موضوع لأنّ المقلّد كالأعمى فمتى صادف بئراً أو حفرة سقط فيها ، أمّا المفكّرون فلا يسقطون في بئر ولا حفرة لأنّهم يبصرونَها فيحيدون عنها ، وقد ذمّ الله المقلّدين في القرآن ومدح المفكّرين والعقلاء فقال تعالى في المقلّدين في سورة الزخرف {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} فردّ الله عليهم قولهم وقال {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ} ، وقال تعالى في سورة الزخرف {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} . ثمّ بيّن سبحانه بأنّ المتبوعين يتبرّؤون من تابعيهم يوم القيامة فقال قي سورة البقرة : {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} .

   أمّا المفكّرون فقد مدحهم الله تعالى فقال في سورة الرعد {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، وقال أيضاً في سورة الرعد {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، وقال تعالى في سورة النور{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} ، فكن أنت من المفكّرين ولاتكن من المقلّدين فتخسر .

ثانياً – أنظر وتأمّل إلى نفسك وعقائدك هل أنت مِمّن يجعل له شفعاء يشفعون له عند الله ويتّخذ له أولياء يقرّبونه إلى الله زلفى كمن سبق ذكره أم مِمّن يوجّه وجهه لله ويجعل رحمته هي الشفيع وانقطاعه إلى الله هو الذي يقرّبه زلفى ، فقد قال الله تعالى في سورة الزمر {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .

   وقال تعالى أيضاً في سورة البقرة {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ، وقال أيضاً في سورة غافر {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} .

   وقال عليّ بن الحسين في دعائه المعروف بأبي حمزة الثمالي : "الحمد لله الذي أناديه كلّما شئت لحاجتي وأخلو به حيث شئت لسرّي ، بغير شفيع فيقضي لي حاجتي ، والحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي ."

   فتأمّل إلى قول زين العابدين وتعلّم منه فإنّه يقول "بغير شفيع فيقضي لي حاجتي" ، ثمّ يقول "والحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره" فإنّك إن دعوت غير الله لقضاء حوائجك فلن يستجيب لك ولن يقدر على ذلك ، وإنّ الله تعالى لا يرضى بذلك ولا يقضي حوائجك لأنّك سألت حاجتك من المخلوقين وتركت الخالق ، فقد قال تعالى في سورة الأعراف {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} .

   وجاء في الحديث القدسي قال الله تعالى (يا موسى إسألني ولو ملحاً لطعامك ." والمعنى : إسأل حاجتك منّي ولو كانت بسيطة ولا تسأل من غيري .

   فإنّك إن سألت حاجتك من الله ولم تسأل غيره من المشايخ أو الأئمّة أو الأنبياء فإنّ الله تعالى ينظر إليك بالرحمة ويباهي بك الملاكة فيقول أنظروا يا ملائكتي إلى عبدي هذا فإنه عرفني حقّ معرفتي فوجّه وجهه نحوي وسأل حاجته منّي ولم يسأل غيري .

   وإليك بعض الأمثال أذكرها لك لتكون من الموقنين : لو كنت جالساً في بعض الأندية مع جماعة ولك فيهم صديق وأنت تتكلّم معه في بعض شؤونك وكنت غنياً ونفسك أبيّة وجاء ابنك فجأةً وسلّم على صديقك وقال يا عمّ أعطني عشرة تفاليس لأشتري بِها بعض الأشياء . فما يكون حالك حينذاك وما أنت صانع به هل ترضى منه ذلك أم تأبى ؟ طبعاً إنّك تأبى أن يأخذ ابنك من صديقك بعض النقود وأنت جالس ، فتقول لابنك لماذا تطلب من هذا الرجل بعض النقود بحضوري فهل أنا عاجز عن أداء طلبك وهل تركتك يوماً بلا نقود أو تركتك يوماً جائعاً فمن يقوم كلّ يوم بتربيتك ومن يأتيك بطعامك وشرابك ومن يأتيك بالملابس وبما تحبّ وتشتهي لماذا لم تسأل منّي فأعطيك أفلا استحييت أفلا قصر لسانك أفلا شلًت يدك ؟

   فتأخذ أنت في تأنيبه وتأديبه كي لا يعود إلى مثل ذلك .

   فإن قال ابنك أنا لم أسأل حاجتي من رجل غريب بل هو صديقك ، فتقول له أنا لا أقبل أن تسأل أحداً شيئاً وإن كان صديقي .

   فكذلك الله تعالى لا يرضى أن تسأل حاجتك من أحد وإن كان المسؤول نبيّاً من الأنبياء أو ملكاً من الملائكة فإن سألت حاجتك من أحد من المخلوقين فإنّ الله تعالى يقول لك لقد تركتني وذهبت تسأل حاجتك من مخلوق مثلك ألم تعلم أنّه عاجز عن قضاء حاجتك أم تعلم أنّي على كلّ شيء قدير ألم تكن صغيراً فأنشأتك ألم تكن عارياً فكسوتك ألم تكن جائعاً فأشبعتك ألم تكن ضعيفاً فقوّيتك هل تركتك يوماً بلا طعام حين كنت مضطجعاً في المنام ولم تكن قادراً على الكلام ألم أحنّن عليك أبويك ألم أجعل الغذاء ميسوراً بين يديك فالويل لك والعار عليك إذا سألت حاجتك من غيري .

   ثالثاً – أنظر إلى أعمالك وفكّر فيها فهل تجعلها خالصة لوجه الله أم تشرك بِها أحداً من المشايخ أو الأنبياء أو غيرهم من أولياء الله ، فإن جعلتها لله وحده فإنّ الله تعالى يتقبّلها منك ويأجرك عليها ، ولكن إذا أشركت أحداً من المخلوقين بأعمالك فإنّ الله لا يقبلها منك ولا يثيبك عليها ، وهي الإنفاق في سبيل الله والاستعانة بالله والنذر لله والتعظيم لله وما أشبه ذلك ، فإن أنفقت من مالك في سبيل الله فإنّه تعالى يتقبّله منك ويأجرك عليه ويعوّضك بدله عشرة أضعاف في الدنيا وسبعمائة في الآخرة .

   ولكن إذا أنفقت في سبيل المشايخ أو الأئمّة أو الأنبياء أو غيرهم من الملائكة والمقرّبين فإنّ الله لا يقبله منك ولا يأجرك عليه بل يعاقبك على ذلك لأنّك أنفقت في سبيل غيره ، وكذلك إذا أوقفت ملكاً لغير الله فإنّه تعالى لا يقبله منك ولا تؤجر عليه .

   وكذلك النذر للمشايخ والأنبياء لا يجوز فإن نذرت لغير الله فلا تؤجر بل تعاقَب عليه ، ولا يجوز النذر إلاّ لوجه الله وحده .

   ثمّ الاستعانة بالمشايخ أو الأنبياء أو الأئمّة لا تجوز فمن استعان بغير الله فقد أشرك ، فإنّنا يجب علينا أن نسير على نهج هؤلاء الأولياء لا أن نخالفهم في نهجهم فإنّهم كانوا يذكرون الله عند قيامهم و عند قعودهم وعند اضطجاعهم ولا يستعينون بغيره ولذلك مدحهم الله في كتابه المجيد فقال في سورة آل عمران {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ، وأنزل فيهم  قوله تعالى في سورة الإنسان {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ، فقوله تعالى {عَلَى حُبِّهِ} ، أي على حبّ الله ، فتأمّل أنّ الله تعالى قال {عَلَى حُبِّهِ} ولم يقل على حبّ الأنبياء والأولياء ، ويؤيّد ذلك قوله تعالى [في الآية التالية] {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } .

   فإن كنت مِمّن ينذر للمشايخ والأنبياء أو يستعين بِهم في قيامه وقعوده أو ينفق ماله على حبّهم أو مِمّن يقدّس قبورهم ويتبرّك بِها فأنت من المشركين ، فاترك هذه العادات واجعل أعمالك خالصة لوجه الله تنجح في الدارين .

49 – (أَلَمْ تَرَ) يا محمّد (إِلَى) النصارى (الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ) من الذنوب ، يعني يزكّي بعضهم بعضاً . من عادات النصارى وعقائدهم أنّ المذنب منهم يأتي إلى القسّ فيعترف بذنبه فيغفر له القسّ ذنبه ويصفح عنه . فأنكر الله تعالى عليهم أعمالهم وسفّه عقائدهم فقال (بَلِ اللّهُ يُزَكِّي) من الذنوب (مَن يَشَاء) تزكيته ، وليست التزكية بيد القسّيسين ، فسيعذّبهم الله على أفعالهم (وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أي قدر حبّة الفتيل . [ويسمّى حبّ العرفط]

50 – وقال القسّيسون إنّ الله أذن لنا أن نزكّي المذنبين . فردّ الله عليهم قولهم فقال (انظُرْ) يا محمّد (كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ) بقولهم هذا (وَكَفَى بِهِ) أي بكذبهم (إِثْمًا مُّبِينًا) أي إثماً بيّناً واضحاً .

51 – سأل أبو سفيان نفراً من اليهود ما تقولون في محمّد هل هو مجنون أو عالم ؟ قالوا بل عالم دارس ، قال هو أعلم أم علماؤكم ؟ قالوا بل علماؤنا وخاصةً منهم الكاهن حي بن أخطب وكعب بن الأشرف ، قال ودينه حقّ أم دينكم ؟ قالوا بل ديننا ، قال وقرآنه من عنده أم وحي من السماء ؟ قالوا لو كان وحياً لنزل علينا فنحن أحقّ بالوحي منه ولو كانت نبوّة لكانت فينا . فنزلت هذه الآية (أَلَمْ تَرَ) يا محمّد (إِلَى) اليهود (الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) يعني حصّة من الكتب السماوية وهي التوراة (يُؤْمِنُونَ بِ) علمائهم ويقلّدونهم ولو كانوا على ضلال ومع ذلك يقدّسونهم وخاصةً منهم (الْجِبْتِ) يعني الكاهن ، ويريد به حي بن أخطب (وَالطَّاغُوتِ) كناية عن كلّ شخص طاغٍ متكبّر ، ويريد بالطاغوت كعب بن الأشرف (وَيَقُولُونَ) يعني اليهود يقولون (لِلَّذِينَ كَفَرُواْ) يعني أبا سفيان وأصحابه لَمّا سألوهم هل محمّد أعلم أم علماؤكم ، فأجابوا (هَؤُلاء) إشارة إلى علمائهم (أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ) يعني من محمّد وأصحابه (سَبِيلاً) أي طريقاً غلى الصواب وأكثر علماً . فردّ الله عليهم قولهم وكذّبهم ولعنهم فقال تعالى (أُوْلَـئِكَ) إشارة إلى حي بن أخطب وكعب بن الأشرف ومن تبعهم (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ) أي أبعدهم الله عن رحمته وجعلهم مِمّن يستحقّون العذاب (وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ) أي ومن يلعنه الله (فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) ينصره ويخلّصه من عذاب الله .

52 ثمّ بيّن سبحانه بخل اليهود وحسدهم لرسول الله فقال (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ) وهنا تقدير محذوف وهو : هل الأرض ومن عليها ملكهم فيتصرّفون فيها كما يشاؤون فيريدون أن ينزل الوحي عليهم ولا ينزل على غيرهم أم لهم نصيب معنا في الملك ، أي حصّة من الملك فيعترضون علينا بنزول الوحي على محمّد (فَ) لو كان الملك بأيديهم (إِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) يعني لم يعطوا العرب من الحبّ قدر ما ينقره الطير ، وهذا مثل يُضرَب في القلّة .

53 (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) أي العرب (عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) حيث بعث فيهم رسولاً (فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ) وهم محمّد وأصحابه ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ..الخ} ، وقال تعالى مخاطباً المسلمين في سورة الحج {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ} . فآل إبراهيم يريد بِهم المسلمين1 (الْكِتَابَ) هو القرآن (وَالْحِكْمَةَ) يعني العلم والفهم (وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) في المستقبل ، يعني وقدّرنا لهم ملكاً عظيماً ينالونه في المستقبل ، فحسدكم أيّها اليهود لا يزيدكم إلاّ غماً وعنادكم لا يزيدكم إلاّ هماً ، وإنّما قطعنا الوحي عنكم وآتيناه آل إبراهيم لأنّكم تمرّدتم على الله وتكبّرتم وعبدتم العجل والبعليم وعشتاروث وغيرها مِمّا استهوتها أنفسكم بعد أن أخذ الله العهود والمواثيق أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تعبدوا بقراً ولا شجراً ولا حجراً فنكثتم العهود ونقضتم المواثيق مراراً عديدة وعبدتم الأوثان تكراراً فرفضكم الله واختار غيركم ، ذلك بِما كسبت أيديكم وأنّ الله ليس بِظلاّمٍ للعبيد .

--------------------------------------------------------------------

1لأنّ نسل إبراهيم من إسرائيل قد انقرض جميعه ولم يبقَ منه بقيّة بنصوص التوراة نفسها كما جاء بكتاب (نهاية اليهودية) وأراد بالآل الرجال تمييزاً لهم عن الأهل أي النساء –                              المراجع

 

54 – (فَمِنْهُم) يعني من اليهود (مَّنْ آمَنَ بِهِ) يعني بالكتاب الذي سبق ذكره ويريد به القرآن (وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ) ولم يؤمن (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) لِمن صدّ عنه ولم يؤمن بِه .

59 – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ) فيما أمركم به ونهاكم عنه (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) لأنّه يدعو إلى الله ويعمل بأمر الله (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) أي وأطيعوا ولاة الأمر منكم إن حكموا بحكم القرآن وساروا بنهج الإسلام (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) من أمور دينكم (فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) يعني فراجعوا كتاب الله وهو القرآن إن لم يكن رسوله حاضراً معكم ، أمّا إذا كان رسوله حاضراً فردّوا تنازعكم إليه وهو يفصل بينكم ، هذا في زمانه أمّا اليوم فقد ذهب الرسول إلى جوار ربّه وبقي الكتاب فيجب أن نردّ تنازعنا إلى كتاب الله ليفصل بيننا ، أمّا الأحاديث الواردة فلا اعتماد عليها لأنّ أكثر الأحاديث مدسوسة ولذلك اختلف المسلمون فصاروا فرقاً عديدة ، فكلّ حديث ينطبق مع القرآن نقبله وكلّ حديث لا ينطبق مع القرآن لا نقبله (إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) لأنّ من يؤمن بالله يقبل حكم القرآن ولا يعترض عليه (ذَلِكَ) الردّ إلى كتاب الله والرضا بحكمه (خَيْرٌ) لكم من التنازع والاختلاف فيما بينكم (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) أي وأحسن عاقبة .

60 – كان بين رجل من اليهود ورجل من المسلمين خصومة فقال المنافقون لصاحبِهم تحاكم مع اليهودي عند رئيسهم كعب بن الأشرف فإنّه يحكم لك ، فأبى اليهودي أن يتحاكم عند كعب وقال بل نتحاكم عند رسول الله وجاء إلى النبيّ فحكم النبيّ لليهودي فلم يرضَ المنافق بذلك وقال تعال نتحاكم عند عمر ، فقال اليهودي لعمر قضى لي رسول الله فلم يرضَ خصمي بقضائه ، فقال عمر للمنافق أكذلك ؟ قال نعم ، فقال عمر مكانكما حتّى أخرج إليكما ، فدخل عمر فأخذ سيفه ثمّ خرج فضرب به عنق المنافق وقال هكذا أقضي لمن لم يرض بحكم الله ورسوله .

   ولَمّا سمع المنافقون الذين أغروا الرجل وقالوا له تحاكم عند كعب ، جاؤوا إلى النبيّ يعتذرون فنزلت هذه الآية (أَلَمْ تَرَ) يا محمّد (إِلَى) المنافقين (الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) من القرآن (وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ) من كتب سماوية (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ) يعني إلى كعب بن الأشرف ، والطاغوت كناية كلّ طاغٍ متكبّر ، وهي كناية الشيطان أيضاً لأنّه تكبّر على آدم وامتنع عن السجود (وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ) وذلك من قوله تعالى في سورة البقرة {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} , (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ) بِما زيّن لهم (أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا) عن الحقّ .

61 – (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ) أي للمنافقين (تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ) في القرآن من الأحكام (وَإِلَى الرَّسُولِ) في حكمه (رَأَيْتَ) يا محمّد (الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) أي يعرضون عنك إعراضاً .

62 – (فَكَيْفَ) يكون حالهم (إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ) من مرض أو قتل أو فقدان ولد أو غير ذلك عقاباً لهم (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من الكفر والنفاق (ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا) أي ما أردنا بالمحاكمة إلى غيرك (إِلاَّ إِحْسَانًا) إلى الخصم (وَتَوْفِيقًا) إلى الصلح بين الخصمين .

65 – (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ) تقديره فوربّك لا يؤمنون و " لاَ " للمستقبل و "الواو" للقسم (حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ) يا محمّد (فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) أي حتّى يجعلوك حكماً فيما وقع بينهم من الخصومة والجدال فحينئذٍ تعلم أنّهم آمنوا بك (ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا) أي ضيقاً وكراهةً (مِّمَّا قَضَيْتَ) به ، أي مِمّا حكمت به (وَيُسَلِّمُواْ) لأمرك (تَسْلِيمًا) مطلقاً فلا يعترضون عليك فحينئذٍ تعلم أنّهم آمنوا إيماناً صادقاً أمّا اليوم فليسوا بمؤمنين .

66 – (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ) أي على هؤلاء المنافقين (أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم) كما كتبنا على بني إسرائيل فقتلوا أنفسهم لَمّا عبدوا العجل وخرجوا من ديارهم من مصر مع موسى ، فلو أمرنا هؤلاء المنافقين بذلك (مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) وهم الذين سيتوبون في المستقبل ويصلحون أعمالهم (وَلَوْ أَنَّهُمْ) أي المنافقين (فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ) من إطاعة الرسول والاستغفار لذنوبهم ، وذلك من قوله تعالى في سورة النساء {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ..الخ} ، (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) من بقائهم على النفاق (وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) لقلوبهم على الإيمان ، أي وأشدّ ثباتاً على الإيمان .

76 – (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) أمّا المنافقون فيقاتلون في سبيل الغنيمة (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ) من قريش (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) يعني في سبيل الطاغية وهو أبو سفيان (فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ) يعني اتباع أبي سفيان ومن يواليه (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ) نحو المؤمنين (كَانَ ضَعِيفًا) لأنّ الله خاذله وفاشي سرّه للمؤمنين وناصرهم عليه وعلى أتباعه .

77 – كان جماعة من المسلمين يلقون من المشركين أذىً شديداً وهم بِمكّة قبل أن يهاجروا إلى المدينة فشكوا إلى رسول الله وقالوا إئذن لنا في قتالهم ، فقال كفّوا عن قتالهم وأقيموا الصلاة فإنّي لم أؤذن في ذلك ، فلمّا أمرهم النبيّ بقتال المشركين وهم في المدينة شقّ على بعضهم وتثاقلوا فنزلت هذه الآية (أَلَمْ تَرَ) يا محمّد (إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ) بمكّة (كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ) عن القتال (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ) بالمدينة بعد الهجرة (إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ) أي قسم منهم (يَخْشَوْنَ النَّاسَ) أي يخافون القتل من الناس (كَخَشْيَةِ اللّهِ) في عقابه (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) يعني وبعضهم يخشى الناس أشدّ من خشية الله (وَقَالُواْ) من شدّة خوفهم (رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ) في هذه السنة (لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) يعني إلى السنة القادمة كي نرتاح في هذه السنة ونقضي بعض أشغالنا (قُلْ) يا محمّد لهم (مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ) بالنسبة للآخرة ، والدنيا دار عمل وعناء لا دار راحة وهناء وعمركم فيها قليل لا تسعكم للراحة فاعملوا في دنياكم وارتاحوا في آخرتكم (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ) من الدنيا (لِّمَنِ اتَّقَى) المعاصي وأطاع الله (وَلاَ تُظْلَمُونَ) في جزاء أعمالكم (فَتِيلاً) بل يضاعف لكم في أعمالكم ولا ينقصكم منها شيئاً .

78 ثمّ أخذ سبحانه في خطاب هؤلاء المنافقين فقال (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ) يعني أينما كنتم من المواضع والأماكن ينزل بكم الموت ويلحقكم (وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) يعني عامرة ومرتفعة ، والبروج تكون في أركان الحصون في كلّ ركن واحد ، والبرج يكون محكم البناء مستدير الشكل يجلس فيه الحرس والمراقبون وقت الحرب (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) من ظفر وغنيمة (يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) من مكروه وهزيمة (يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ) يعني بسوء تدبيرك (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء المنافقين (كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ) فإن كانت غنيمة فظفر وانتصار ، وإن كانت هزيمة فبلاء واختبار (فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ) أي ما شأن هؤلاء المنافقين (لاَ يَكَادُونَ) أي لا يقاربون (يَفْقَهُونَ) أي يفهمون (حَدِيثًا) أي قولاً ، والمعنى أنّهم لا يقربون من الوعظ والخطبة وقراءة القرآن ليتّعظوا وإن اقتربوا لا ينصتوا له وإن أنصتوا لا يعملوا به .

79 – كان النبيّ يملك جبّة فأتاه رجل يلتمس منه رداءً فخلع النبيّ جبّته وأعطاها له فأصابه البرد ، وكان يوماً عنده ثلاثة أرغفة من الخبز فجاءه سائل فأعطاه الخبز كلّه وبقي مع أهله بلا غذاء فأصابته خصاصة ، فنزلت هذه الآية (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) أي من نعمة (فَمِنَ اللّهِ) أنعم بِها عليك (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ) يعني من برد ومجاعة (فَمِن نَّفْسِكَ) لأنّك أعطيت جبّتك ولم يكن عندك غيرها فأصابك البرد ثمّ أعطيت خبزك كلّه للسائل فأصابتك خصاصة . وذلك قوله تعالى في سورة الحشر {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي مجاعة (وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) ليقتدوا بك ويتعلّموا منك فلا تعطِ كلّ ما عندك فتعرّض نفسك للمرض (وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا) على أعمالك وحسن أخلاقك ، أي كفى بالله مراقباً لأعمالك وحسن فعالك .

80 – قال النبيّ لأصحابه سنذهب بعد بضعة أيام إلى قتال المشركين فاستعدّوا لهم . فقالوا سمعاً وطاعة . فأخذ المؤمنون يستعدّون أمّا المنافقون فإنّهم اجتمعوا ليلاً وتشاوروا فيما بينهم وقالوا : قولوا للنبيّ انتظرنا شهراً واحداً كي نقضي أشغالنا ثمّ نخرج جميعاً ، فإنّه سيتركنا ويذهب بمن معه ، فلمّا سمع النبيّ كلامهم اغتمّ لذلك فنزلت هذه الآية تسليةً للنبيّ (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ) ويستعدّ للقتال (فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) لأنّ الرسول يعمل بأمر الله (وَمَن تَوَلَّى) عنه ولم يخرج للقتال فإنّ الله سيعاقبه فلا يهمّك تخلّفه (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ) يا محمّد (عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) أي تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها فإنّ الملائكة تحفظ أعمالهم وسنجازيهم عليها يوم القيامة فلا تغتمّ لذلك .

81 – (وَيَقُولُونَ) يعني المنافقين لَمّا أمرهم النبيّ بالاستعداد للقتال (طَاعَةٌ) لك يا محمّد (فَإِذَا بَرَزُواْ) أي خرجوا (بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ) يعني من المنافقين تشاوروا وتآمروا وقت المبيت يعني ليلاً (غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) يعني بيّتوا قولاً غير قولهم طاعة بل هو عصيان (وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ) يعني ملائكته يكتبون وذلك بأمره وسيجازيهم على أفعالهم (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) يا محمّد ولاتنتظرهم بل سافر (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) فإنّ الله سينصرك على أعدائك (وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) لِمن يتوكّل عليه ، يعني أنّ الله سيكفي أمر من توكّل عليه .

83 – (وَإِذَا جَاءهُمْ) أي المنافقين (أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ) أي من جهة الأمن ، يعني من المدينة (أَوِ) من جهة (الْخَوْفِ) يعني من جهة الحرب ، فالأمر من جهة الأمن يكون من النبيّ والأمر من جهة الخوف يكون من قائد الجيش ، وذلك بان يرسل قائد الجيش أحدهم إلى المدينة ليرسل لهم النبيّ نجدة أو أسلحة أو غير ذلك فإذا ذهب ذلك الرجل إلى المدينة أفشى الخبر وأذاع به قبل وصوله إلى النبيّ ، وذلك قوله (أَذَاعُواْ بِهِ) أي أفشوه (وَلَوْ رَدُّوهُ) أي ردّوا الجواب إلى قائد الجيش أو إلى النبيّ ، وذلك قوله (إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ) أي إلى قادتهم (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي من أمرائهم وقادتهم ، يعني لفهموا الجواب وعملوا بالصواب ولكنّ المنافقين يفشون أسرارهم (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ) أيّها المسلمون بأن هداكم للإسلام (وَرَحْمَتُهُ) بأن نصركم على أعدائكم وألقى الرعب في قلوبهم (لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ) في أكثر الأمور (إِلاَّ قَلِيلاً) منها .

87 – (اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ1 لَيَجْمَعَنَّكُمْ) في البرزخ وأنتم أرواح (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ثمّ يفصل بينكم فمنكم إلى الجنّة ومنكم إلى النار (لاَ رَيْبَ فِيهِ) أي لا شكّ في يوم القيامة لأنّ المادّيات صائرة إلى الخراب ، والمجموعة الشمسيّة إذا انتهت حياتها لا شكّ أنّها تتمزّق وتتبعثر وذلك اليوم هو يوم القيامة (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا) فذلك كائن لا محالة .

 -----------------------------------------------------

1 [ويقابل هذه الآية الكريمة في التوراة "إلهنا يهوه , يهوه واحد" "إلهنا ربّ واحد" –               المراجع]

 

88 – قدم المدينة جماعة من المشركين ليختبروا المسلمين ويفحصوا دينهم فيسلموا إن حكموا بصحّة دينهم وإلاّ رجعوا إلى مكّة وإلى دينهم القديم ، ولَمّا وصلوا المدينة أظهروا إسلامهم وبعد أيام قالوا نذهب إلى مكّة كي نحمل أثاثنا وأمتعتنا ونرجع إليكم . ولَمّا ذهبوا إلى مكّة أقاموا فيها ولم يرجعوا إلى المدينة فاختلف المسلمون في أمرهم فقال بعضهم أنّهم ارتدّوا عن الإسلام ولن يعودوا ، وقال آخرون أنّهم أسلموا ولكن شغلهم أمر فأبطأوا وسيعودون عن قريب فلنرسل إليهم رجلاً يدعوهم الإسراع بالعودة إلينا . فنزلت هذه الآية (فَمَا لَكُمْ) أيّها المسلمون (فِي) أمر (الْمُنَافِقِينَ) صرتم (فِئَتَيْنِ) فئة تحكم بكفرهم وفئة تحكم بإسلامهم فلو كانوا مسلمين لرجعوا إليكم ولكنّهم كافرون فلا تحكموا بإسلامهم (وَاللّهُ أَرْكَسَهُم) أي أغرقهم بذنوبهم وغيّهم (بِمَا كَسَبُواْ) من الظلم والآثام ، أي بسبب ظلمهم للناس وما اقترفوا من الآثام (أَتُرِيدُونَ) أيّها المسلمون (أَن تَهْدُواْ)  إلى الإسلام وتدعوا إليه (مَنْ أَضَلَّ اللّهُ) أي من أضلّه الله بسبب ظلمه (وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ) أي ومن يضلّه الله عن طريق الحقّ (فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي طريقاً إلى النجاة والهداية .

91 – (سَتَجِدُونَ) أيّها المسلمون قوماً (آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ) أي يريدون أن يأخذوا الأمان لأنفسهم منكم ومن قومهم فإذا جاؤوا إليكم قالوا نحن معكم ضدّ قومنا ، وإذا رجعوا إلى قومهم قالوا إنّا معكم ضدّ المسلمين ، ثمّ أخبر الله تعالى عنهم بأنّهم يزدادون كفراً ونفاقاً كلّما رجعوا إلى قومهم وليسوا بمسلمين كما يزعمون فقال (كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا) والمعنى كلّما رجعوا إلى قومهم فتنوهم عن دينكم وأرجعوهم إلى كفرهم واغرقوهم في تضليلهم وكذبهم على المسلمين (فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ) يعني فإن لم يعتزلوا قتالكم (وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) أي ويستسلموا لأوامركم ويصالحوكم (وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ) عن أذاكم (فَخُذُوهُمْ) أسرى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ) أي حيث وجدتموهم إن أمكنكم ذلك (وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا) أي أدلّة بيّنة وسلطة ظاهرة .

92 – (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا) معناه من قتل مسلماً مؤمناً متعمّداً فهو ليس بمؤمن بل هو كافر وجزاؤه جهنّم ، ثمّ استثنى قتل الخطأ فقال تعالى (إِلاَّ خَطَئًا) يعني إذا وقع القتل خطأً فليس جزاؤه جهنّم ولكن عليه تحرير رقبة مؤمنة على وجه الكفّارة وذلك قوله تعالى (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) وقوله (وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) يعني وعليه أيضاً دية المقتول يسلّمها إلى أهله وورثته (إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ) يعني إلاّ أن يتصدّق أولياء المقتول وأهله بالدية على عائلة القاتل ، وذلك إن كان أهل المقتول أغنياء وأهل القاتل فقراء فيستحبّ أن يتصدّقوا عليهم .

   ثمّ بيّن سبحانه حكم المقتول إن كان من قوم كافرين ولكنّه وحده مؤمن فقال (فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ) أي كان المقتول وحده مسلماً مؤمناً دون أهله وعشيرته (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) أي فعلى القاتل عتق رقبة مؤمنة وليس عليه دية ، لأنّ أهله كافرون والكافر لا يرث المسلم (وَإِن كَانَ) المقتول (مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ) أي بينكم وبينهم شروط ومواثيق على تأدية الدية (فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) يعني فعليه الإثنان الدية وعتق الرقبة (فَمَن لَّمْ يَجِدْ) مالاً ليعتق رقبة (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) يعني فعليه أن يصوم شهرين متتابعين لا يفصل بينهما بإفطار يوم (تَوْبَةً) يتوبها القاتل وكفّارة له عن إثمه ومغفرة (مِّنَ اللّهِ) لخطئه إن سلّم الدية (وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا) بأفعالكم (حَكِيمًا) فيما يأمركم به وينهاكم عنه1 .

------------------------------------------------------

 1 [ويلاحَظ هنا كيف أنّ الإسلام يربّي الضمير الإنساني فيجعله رقيباً على المخطئ إذ يصوم شهرين متتابعين وهو حرّ طليق –  المراجع]                                                     

 97 – أظهر بعض المشركين إسلامهم في مكة ولكنّهم رجعوا إلى إشراكهم ولم يهاجروا إلى المدينة ، وبقي بعض من أسلم على إسلامهم ولكنّهم لم يهاجروا إلى المدينة لعدم استطاعتهم السفر ، لأنّ بعضهم شيوخ وبعضهم نساء وأولاد صغار فنزلت فيهم هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ) وأصلها تتوفّاهم فحذِفت إحدى التائين للتخفيف ، والمعنى إنّ الذين يُقتَلون أو يموتون من المشركين تقبض أرواحهم (الْمَلآئِكَةُ) وهما عتيد و رقيب (ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)  لأنّهم أدخلوها جهنّم بكفرهم وامتناعهم عن الهجرة مع النبيّ (قَالُواْ) يعني الملائكة تقول لأرواحهم وتخاطبها (فِيمَ كُنتُمْ) يعني في أيّ شيء كنتم من دينكم ؟ وذلك على وجه التوبيخ لفعلهم (قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ) يستضعفنا أهل الشرك في أرضنا بكثرة عددهم وقوّتهم ويمنعوننا من الإيمان بالله وحده واتّباع رسوله ، وهذا على وجه الاعتذار (قَالُواْ) أي الملائكة (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) أي فتخرجوا من أرضكم ودوركم وتفارقوا من يمنعكم من الإيمان بالله ورسوله إلى أرض يحرسكم أهلها من المشركين (فَأُوْلَـئِكَ) الكافرون (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) يأوون إليها ويسكنون فيها (وَسَاءتْ مَصِيرًا) يعني ساءت أحوالهم وساء مصيرهم فيها .

98 – ثمّ استثنى من ذلك المستضعفين حقيقةً فقال (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ) العاجزين عن الهجرة (وَالنِّسَاء) العاجزات أيضاً (وَالْوِلْدَانِ) أي الأولاد الذين (لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) للخروج (وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) للوصول إلى المدينة .

99 – (فَأُوْلَـئِكَ) الضعفاء (عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ) تقصيرهم (وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا) لِمن يستحقّ العفو (غَفُورًا) لِمن تاب من الموحّدين .

101 – (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ) أي سافرتم للحرب لقتال عدوّكم (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) أي حرج (أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) والمعنى لا حرج عليكم أن تصلّوا بدل الأربع ركعات ركعتين إن كنتم في حرب مع الأعداء وكنتم خائفين منهم أن يغتنموا صلاتكم فرصة لهم فيرمونكم بِسهامهم أو يسلبوكم أمتعتكم أو غير ذلك مِمّا يصيبونكم بأذاهم .

   فالفتنة معناها الأذى والعذاب ، فصلاة القصر رخصة للمسافر وليست واجبة وذلك إن كان خائفاً ، ولكن يباح للمسافر أن يجمع بين الصلاتين (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا) فاحذروهم ولا تغفلوا عنهم .

102 – (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ) يا محمّد (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ) يعني فأتممت لأصحابك الصلاة في حال الخوف من العدوّ (فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ) وطائفة من ورائكم تحرسكم من عدوّكم (وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ) يعني وليأخذ المصلّون أسلحتهم معهم فيتقلّدون سيوفهم وإن كانوا في الصلاة (فَإِذَا سَجَدُواْ) المصلّون وأكملوا صلاتهم (فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ) يحرسونكم ، والخطاب هنا للنبيّ والذين لم يصلّوا ، والمعنى إذا أكملت الفرقة المصلّية صلاتها فليكونوا من وراء الفرقة الثانية التي لم تصلّ فيحرسوها عند صلاتهاخلف النبيّ ، وهذا معنى قوله تعالى (وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ) أي الذين كانوا يحرسون (فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ) يا محمّد (وَلْيَأْخُذُواْ) معهم (حِذْرَهُمْ) وهي الدروع والتروس والخوذ (وَأَسْلِحَتَهُمْ) وهي السيوف والرماح والنبال (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم) أي يحملون عليكم (مَّيْلَةً وَاحِدَةً) أي حملةً واحدة وأنتم متشاغلون بصلاتكم أو بشيءٍ آخر فيصيبون منكم (وَلاَ جُنَاحَ) أي ولا حرج (عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ) إلى جنبكم على أن تكونوا منتبهين لعدوّكم غير غافلين (وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ) أي آلات حذركم وهي الدروع والتروس والخوذ (إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) أي فيه إهانة لهم .

103 – (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ) أي صلاة القصر التي سبق ذكرها (فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) أي في حال قيامكم وقعودكم وعند اضطجاعكم ، يعني ادعوا الله واذكروه في هذه الأحوال لعلّه ينصركم على عدوّكم (فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ) من عدوّكم وذهب الخوف عنكم (فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) بكاملها ولا تقصروا فيها (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) أي كتبناها عليكم في القرآن تؤدّونَها بأوقاتِها .

104 – (وَلاَ تَهِنُواْ) أيّها المسلمون ، أي لا تضعفوا (فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ) يعني في طلب القوم الذين هم أعداء الله وأعداؤكم (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ) مِمّا ينالكم من الجراح والأذى (فَإِنَّهُمْ) أي المشركين (يَأْلَمُونَ) أيضاً مِمّا ينالهم منكم (كَمَا تَأْلَمونَ) أنتم (وَتَرْجُونَ) أيّها المسلمون (مِنَ اللّهِ) الظفر عاجلاً والثواب آجلاً على ما ينالكم منهم (مَا لاَ يَرْجُونَ) هم على ما ينالهم منكم فأنتم أولى بالصبر والثبات على قتالهم (وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا) بِمصالح خلقه (حَكِيمًا) في تدبير شؤونهم .

105 – نزلت الآية في بني أبيرق وكانوا ثلاثة إخوة بشر وبشير ومبشّر ، وكان بشير يكنّى أبا طعمة وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب النبيّ ثمّ يقول قاله فلان وكانوا أهل حاجة في الجاهلية والإسلام ، فنقب أبو طعمة علّية رفاعة بن زيد وأخذ منه طعاماً وسيفاً ودرعاً ، فشكى ذلك إلى ابن أخيه قتادة بن النعمان وكان قتادة بدرياً فتجسّسا في الدار وسألا أهل الدار فقال بنو أبيرق والله ما صاحبكم إلاّ لبيد بن سهل – اتّهموه بالسرقة وهم السارقون – فأصلت عليهم لبيد بن سهل سيفه وخرج إليهم وقال يا بني أبيرق أترمونني بالسرقة وأنتم أولى بِها منّي وأنتم منافقون تهجون رسول الله وتنسبون ذلك إلى قريش لتبيّننّ ذلك أو لأضعنّ سيفي فيكم ، فداروه ، وأتى قتادة رسول الله فقال يا رسول الله إنّ أهل بيت منّا أهل بيت سوء عدَوا على عمّي فخرقوا علّيةً له من ظهرها وأصابوا له طعاماً وسلاحاً .

   فقال رسول الله أنظر في شأنكم . فلمّا سمع بِذلك رجل من بطنهم ، يعني من بني أبيرق السارقين واسمه أسيد بن عروة جمع رجالاً من أهل الدار ثمّ انطلق إلى رسول الله فقال إنّ قتادة بن النعمان وعمّه – المسروق منه الطعام والسلاح – عمدا إلى أهل بيت منّا لهم حسب ونسب وصلاح وأنّبوهم بالقبيح وقالا لهم ما لا ينبغي ، وانصرفوا . فلَمّا أتى قتادة رسول الله بعد ذلك ليكلّمه جبهه رسول الله وقال عمدت إلى أهل بيت حسب ونسب تأنّبهم بالقبيح وتقول لهم ما لا ينبغي .

   فقام قتادة من عند رسول الله ورجع إلى عمّه رفاعة وقال يا ليتني متّ ولم أكن كلّمت رسول الله فقد قال لي ما كرهت . فقال عمّه الله المستعان . فنزلت فيهم هذه الآيات ، فبلغ بشيراً ما نزل فيه من القرآن فهرب إلى مكّة وارتدّ كافراً .

   التفسير: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ) يا محمّد (الْكِتَابَ) يعني القرآن (بِالْحَقِّ) أي بأحكام عادلة وقوانين فاصلة (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ) أي بِما أعلمك الله في كتابه (وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا) تخاصم وتدافع عن بني أبيرق .

106 – (وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ) لِما بدا منك من المخاصمة عن الخائنين (إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا) لأوليائه (رَّحِيمًا) بِهم .

107 – (وَلاَ تُجَادِلْ) يا محمّد في المستقبل (عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ) أي يقطعون صلة الرحم فيما بينهم ، يقال خَتَن الشيء ، أي قطعه , وخُتِن الصبيّ أي قطِعت غلفته ، فلفظة يختانون معناها يتقاطعون ، ومع ذلك هم خائنون وسارقون (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) كثير الآثام كأبي طعمة ومن نهج نهجه .

108 – (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) أي يكتمون أعمالهم عن الناس (وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ) لأنّه يراهم مهما اختلفوا (وَهُوَ مَعَهُمْ) لأنّه يراهم ويسمعهم وملائكته يكتبون أعمالهم (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) أي يدبّرون بالليل قولاً لا يرضاه الله لأنّ قولهم مكر وخديعة ، فخدعوا النبيّ بقولهم حتّى صار يجادل عنهم (وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) أي حفيظاً لأعمالهم لا يفوته شيءٌ منها .

109 – (هَا) كلمة تستعمل للعتاب والتنبيه (أَنتُمْ) الذابّين عن السارق وجماعته وهم أسيد بن عروة والرجال الذين جاؤوا معه إلى النبيّ (هَـؤُلاء) الذين خنتم ضمائركم وكذبتم على النبيّ بِشهادتكم وتزكيتكم لبني أبيرق و(جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ) أي خاصمتم ودافعتم (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي لا مجادل عنهم ولا شاهد على براءتهم في ذلك اليوم (أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أي من يحفظهم ويتولّى معونتهم ويدافع عنهم في ذلك اليوم ؟

110 – ثمّ بيّن تعالى طريق التلافي والتوبة مِمّا سبق منهم من المعصية فقال (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا) أي ذنباً صغيراً (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) بارتكاب معصية إذا وقعت سهواً منه أو جهالةً (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ) ويتوب إليه فلا يعود بعدها إلى معصية (يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا) لذنبه (رَّحِيمًا) به .

111 – (وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) أي يجلب العار والإهانة لنفسه وإن كان الله قد غفر له ولكنّ العار الذي أصابه بسبب تلك المعصية لا يفارقه والجريمة التي ارتكبها لا يسلم من عواقبها إن عاجلاً أو آجلاً (وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا) بعواقب الأمور (حَكِيمًا) ولذلك نهاكم عن المعاصي وارتكاب الجرائم شفقةً عليكم ورحمةً بكم .

112 – ثمّ بيّن سبحانه أنّ من ارتكب إثْماً ثمّ قذف بِه غيره كيف يعظم عقابه فقال (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً) أي ذنباً خطأً يعني سهواً منه دون قصد (أَوْ إِثْمًا) أي يذنب ذنباً متعمّداً (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ) شخصاً (بَرِيئًا) من ذلك الإثم فيقول أنا لم أرتكب هذه الجريمة بل ارتكبها فلان ، يعني ينسب ذنبه إلى رجل بريء كما نسبوا السرقة إلى لبيد بن سهل وهو بريء منها (فَقَدِ احْتَمَلَ) أي تحمّل (بُهْتَانًا) أي ذنباً عظيماً بسبب كذبه وافترائه ، فالبهتان معناه الافتراء (وَإِثْمًا مُّبِينًا) أي ذنباً ظاهراً بيّناً .

113 – (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ) يا محمّد (وَرَحْمَتُهُ) بإخبارك بالمغيّبات (لَهَمَّت) أي لقصدت وأضمرت (طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ) أي جماعة من قوم أبي طعمة (أَن يُضِلُّوكَ) عن القضاء بالحقّ بتلبيسهم عليك (وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ) لأنّ وبال ذلك يعود عليهم (وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ) لأنّ الله يرعاك ويتولّى أمرك (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) أي القرآن (وَالْحِكْمَةَ) أي الموعظة (وَعَلَّمَكَ) من العلم (مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) من قبل نزول القرآن (وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) بأن جعلك خاتم النبيّين .

114 – (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ) أي مشورتهم لك وكلامهم معك لأنّ أكثر نجواهم يكون في طلب الدنيا وأشياء تافهة لا قيمة لَها (إِلاَّ) نجوى (مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) للفقراء فذلك في نجواه خير (أَوْ) نجوى من أمر بِ (مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) فذلك في نجواه خير أيضاً (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ) المعروف أو الإصلاح أو الصدقة (ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ) وليس لغاية أخرى (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) في الآخرة (أَجْرًا عَظِيمًا) دائماً لا ينقطع .

115 – (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ) أي يخالف الرسول ويعاديه (مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) بالأدلّة العقلية والبراهين العلمية (وَيَتَّبِعْ) طريقاً(غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أي غير طريقهم ، يعني غير دينهم ، وذلك لأنّ أبا طعمة ارتدّ ورجع إلى مكّة ولحق بالمشركين فنزلت فيه هذه الآية (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى) أي نجعله مولى لِما تولّى من الضلال ، والمعنى نخلّي بينه وبين ما اختاره لنفسه من الأوثان ومن أمراء المشركين (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) أي ونجعل مصيره جهنّم وذلك بعد نصوله من جسمه المادّي ، يعني روحه تدخل جهنّم ، وفي المنجد : "يقال نصل السهم من نصله أي خرج من نصله ، ونصلت الخيل من الغبار أي خرجت منه" ، (وَسَاءتْ) جهنّم (مَصِيرًا) لِمن وقع في شراكها وجاذبيّتها ولم ينجً منها .

123 لَمّا نزل قوله تعالى في هذه السورة {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا} قال المشركون إنّنا نقرّب قرابين للأصنام ونقدّم لَها الهدايا ونطعم الطعام لأجلها وإنّ الله يجزينا بخير على أعمالنا وإنّ الأصنام تساعدنا وتنصرنا على أعدائنا . فنزلت هذه الآية (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ) أي ليس الثواب بأمانيّكم وعقائدكم بأن تقدّموا القرابين والهدايا للأصنام وترجون الجزاء من الله على ذلك ،كلاّ لا جزاء لكم لأنّ عملكم هذا عمل سوء (وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) الذين يشركون بالله ثمّ يقولون نحن في الجنّة ويعملون أعمالاً لغير الله ويقولون إنّ الله يجازينا عليها . (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) سوءً وعامل الخير يُجازى خيراً ، فأنتم تعملون السوء وتريدون الجزاء عليه ، فإنّ الله يعاقب عامل السوء ولا يجازيه بخير (وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا) يتولّى أمره (وَلاَ نَصِيرًا) ينصره ويخلّصه من عذاب الله .

124 ثمّ بيّن سبحانه بأنّ الإنفاق على الفقراء وإطعام الطعام والأعمال الصالحة تقبل من المؤمنين الموحّدين ويجازون عليها ولا تُقبَل من المشركين وإن كثرت ، فقال (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ) كان (أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بالله وبالرسل وبالقيامة والحساب وهو مع ذلك موحّد غير مشرك (فَأُوْلَـئِكَ) الموحّدون (فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ) من جزائهم (نَقِيرًا) أي قدر ما ينقره الطير من الحبّ .

125 ثمّ بيّن سبحانه بأنّ منهج هؤلاء المشركين على خطأ وأنّ الصحيح هو منهج الإسلام وهو حسن أيضاً فقال (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا) أي لا أحد أحسن ديناً (مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله) أي مِمّن استسلم لأوامر الله ووجّه وجهه إليه في صلاته وعبادته ولم يتّجه بوجهه للأوثان (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في أعماله وأفعاله (واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ) التي سار على نهجها محمّد (حَنِيفًا) أي موحّداً (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) من الخلّة أي محبّاً وحبيباً .

127 – سأل النبيّ رجل من الصحابة فقال عندي يتيمة وأريد أن أتزوّجها أيجوز بلا صداق ؟ فنزلت هذه الآية (وَيَسْتَفْتُونَكَ) يا محمّد ، أي يطلبون منك الفتوى (فِي) شأن (النِّسَاء) وزواجهنّ (قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) أي في أمرهنّ (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) أي ويفتيكم أيضاً فيما يُقرَأ عليكم في القرآن (فِي يَتَامَى النِّسَاء) اللاتي تولّيتم عليهنّ بالوصاية (الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ) من الميراث والصداق . كانوا في الجاهلية لا يورّثون النساء ولا الأولاد الصغار (وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ) بلا صداق وهذا لا يجوز فيجب أن تدفعوا صداقهنّ قبل نكاحهنّ (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ) معناه ويفتيكم في المستضعفين من الصبيان الصغار أن تعطوهم حقوقهم كاملةً ولا تأخذوا منها شيئاً (وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) أي بالعدل سواءً ذكراً كان أو أنثى صغيراً كان أو كبيراً فلا تظلموهم حقوقهم بل اعطوها لهم كاملة وأحسنوا إليهم (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ) مع اليتامى (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) فيجازيكم على إحسانكم .

133 – ثمّ توعّد الله المنافقين بالهلاك إن لم يصلحوا أعمالهم وسرائرهم فقال (إِن يَشَأْ) الله (يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ) أي يهلككم بالموت والقتل إن لم تصلحوا أعمالكم وسرائركم وتنصروا نبيّكم (وَيَأْتِ) بقومٍ (بِآخَرِينَ) صالحين يحبّهم ويحبّونه (وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا) أي لم يزل ولا يزال قادراً على الإفناء والإبدال .

134 ثمّ بيّن سبحانه بأنّ من يتّقِ الله ويعمل صالحاً يكسب ثواب الدارين أمّا في الدنيا فيكون له الصيت الحسن بين الناس والذكر الطيّب إلى يوم القيامة وأمّا في الآخرة فله الجنّة والنعيم فقال (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) يعني فليتّقِ الله وليكسب الإثنين (وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا) لأقوالكم (بَصِيرًا) بأعمالكم فيجازيكم عليها بعد موتكم .

136 – أسلم جماعة من اليهود وهم عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وابن أخت عبد الله بن سلام ويامين ، وقالوا نؤمن بك يا محمّد وبكتابك وبموسى والتوراة ولا نؤمن بعيسى والإنجيل . فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) بمحمّد (آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ) عيسى بن مريم (وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ) يعني الإنجيل (وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ) أي التوراة ، والمعنى آمنوا بجميع الكتب السماوية وجميع الرسل ولا تكفروا بواحدٍ منهم (وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) يعني يوم القيامة (فَقَدْ ضَلَّ) عن الحقّ (ضَلاَلاً بَعِيدًا) .

137 – تعاقد اليهود الذين هم حول المدينة مع مشركي مكّة بأن يتعاونوا على حرب محمّد ، فنزلت فيهم هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ) بِموسى (ثُمَّ كَفَرُواْ) وعبدوا العجل ثمّ ندموا (ثُمَّ آمَنُواْ) بِربّهم وحده (ثُمَّ كَفَرُواْ) وعبدوا البعليم (ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا) بِعبادتهم للأوثان والشعرى اليمانية وعشتاروث (لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) يوم القيامة كما يزعمون (وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) أي ولا يرشدهم إلى طريق الجنّة لأنّهم منافقون .

141 ثمّ أخذ الله تعالى في ذمّ المنافقين وتقلّباتهم فقال (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) أي ينتظرون بكم ما يتجدّد لكم من نصر أو إخفاق ، والخطاب للمسلمين (فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ) أي فإن اتّفق لكم فتح وظفر على الأعداء (قَالُواْ) أي قال المنافقون للمؤمنين (أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ) نجاهد عدوّكم ونغزو فأعطونا نصيباً من الغنيمة (وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ) بإصابتهم من المؤمنين (قَالُواْ) أي قال المنافقون للكافرين ، يعني لِمشركي مكّة (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) أي ألم نستولِ عليكم في الموضع الفلاني ولكن لم نقتلكم كي تنتصروا على المؤمنين (وَنَمْنَعْكُم) أي نحرسكم (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) وسطوتِهم بأن نخبركم ونراسلكم بِما يريدون أن يفعلوه معكم كي تأخذوا الحذر منهم فلنا عليكم المنّة (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) أيّها المنافقون (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ويعاقبكم على أعمالكم هذه (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) أي طريقاً للغلبة عليهم مهما أفشيتم أسراراً للمؤمنين ومهما خذلتم المسلمين .

144 – كان بعض المسلمين يحبّون أقرباءهم من الكافرين ويوالونهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء) أي أحبّاء (مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي بدل المؤمنين فالأحرى بكم أن توالوا المؤمنين وتدافعوا عنهم (أَتُرِيدُونَ) بفعلكم هذا (أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا) أي حجّة ظاهرة ، ومعناه أتريدون أن تجعلوا لله سبيلاً إلى عذابكم ، ثمّ بيّن سبحانه بأنّ من يوالي الكافرين فهو منافق ، ثمّ بيّن ما هو عذاب المنافقين يوم القيامة فقال :

145 – (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) اي في وسطها الذي هو موقد نارها وشدّة حرارتِها ، أمّا غيرهم فيكون عذابهم حولها لا في وسطها ، وذلك قوله تعالى في سورة مريم : {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} ، وبعضهم يُعرَضون عليها ، وذلك قوله تعالى في سورة غافر {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} ، (وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) أي لا تجد لهم ناصراً ينصرهم ويخلّصهم من عذاب الله . ثمّ استثنى من تاب من المنافقين فقال تعالى :

146 – (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ) من نفاقهم وذنوبهم (وَأَصْلَحُواْ) أعمالهم وضمائرهم (وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ) يعني ووثقوا به فجعلوه عوناً لهم في المهمّات وملجئاً من الآفات وأهلاً للعبادات (وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ) وتركوا الرياء والإشراك ، والمعنى جعلوا عبادتهم خالصةً لله لا يشركون يه أحداً من المخلوقين ولا يراؤون الناس ليقولوا عنهم أنّهم عابدون (فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) يحشرون وبالجنّة يتنعّمون (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) في الآخرة .

150 – دعا النبيّ أهل الكتاب إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأنكر الآخرون نبوّته وطلبوا منه المستحيلات فأنزل الله فيهم هذه الآيات (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ) يعني اليهود الذين كفروا بالله لأنّهم عبدوا العجل والبعليم وعشتاروث وغير ذلك من الأصنام . أمّا النصارى كفروا بالله أيضاً لأنّهم قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة ، وقالوا المسيح ابن الله ، وقال بعضهم المسيح هو الله1 ، فهذا كفرهم بالله (وَرُسُلِهِ) أمّا كفرهم برسله هو إنكارهم الرسالة وقولهم أنّ هؤلاء ليسوا رسلاً وإنّما هم أدعياء (وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ) بإنكارهم الرسالة (وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ) الأنبياء (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) فاليهود يؤمنون بموسى وغيره من أنبياء بني إسرائيل ويكفرون بعيسى2 ومحمّد ، والنصارى يؤمنون بعيسى ومن جاء قبله من الرسل ويكفرون بِمحمّد (وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) أي يتّخذوا طريقاً إلى الضلال بأهوائهم .

-----------------------------------------------------

  1 [حالة أنّ المسيح نفسه زجر بطرس وطرده لأنه قال عنه :إنّك المسيح ابن الله ولم يقبله إلاّ بعد شفاعة التلاميذ له ، وذلك بقول المسيح «ﭐذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ» إنجيل متّى 16: 23 ويجب أن تكون ترجمتها «ﭐبتعِدْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ» فإنّها تصدق على بطرس القائل : «ﭐبْعدْ عنّي يَا سيّد فإنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ» إنجيل لوقا 5: 8 -                                    المراجع ]

2 [وإنّ الذي أطلق عليه كناية ابن الله وغيرها ليس إلاّ الشيطان على لسان المجانين "اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ "  راجع إنجيل مرقس 5: 2-7 ولذلك انتهر بطرس والتلاميذ . 

6فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ  7صاح بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللَّهِ الْعَلِيِّ!»

أن يقولوا له  "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ 30 فانتهرهم"  إنجيل مرقس 8: 29 و 30  -    المراجع ]                                      

 

154 – (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) أي بنقضهم ميثاقهم ، وذلك لَمّا ذهب موسى إلى جبل الطور ليأتي بالتوراة وكان معه جماعة من قومه قال لهم قفوا هنا في أسفل الجبل وأنا أصعد وآتيكم بالتوراة ، فلَمّا رجع إليهم وفي يده لوحان من حجر مكتوب فيهما التوراة قال هؤلاء الذين بقوا في انتظاره من يصدّق أنّ هذه التوراة من عند الله . وكانوا قد أعطوه العهود والمواثيق بأن يقبلوها منه ويعملوا بِها ، فلمّا قالوا هذا الكلام انشقّ الجبل الذي كانوا قاعدين تحته ومالت الشقّة عليهم وكادت تقع عليهم فتهلكهم فخافوا وصاحوا آمنّا وصدّقنا , فاستقرّت الشقّة في مكانها ولم تقع عليهم , وقد جاء ذكرها في سورة الأعراف أيضاً وذلك قوله تعالى {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} .

   ثمّ ذكر سبحانه جهلهم وعنادهم في حادثة أخرى فقال (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ) أي باب المدينة وهي أريحا (سُجَّدًا) أي مطيعين منقادين ، ولكنّهم لم يدخلوها بل عصوا وعاندوا وقالوا لِموسى إذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون . ثمّ ذكر سبحانه عصيانهم في أمرٍ آخر فقال (وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ) أي لا تعتدوا الأوامر  التي أوصاكم الله بِها ونهاكم عنها ، ولكنّهم اعتدَوا وخالَفوا أوامره فأخذوا يبيعون ويشترون ويصيدون السمك في السبت (وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) على أن يطيعوا الله ولا يعصوه ويعبدوه ولا يشركوا به أحداً ولكنّهم خانوا العهود ونقضوا المواثيق وعبدوا البعليم وعشتاروث وعصوا أمر ربّهم ، فهذه هي أعمالهم وهذه هي مخازيهم فلا تلتفت إلى قولهم يا محمّد حيث طلبوا منك المستحيل ولا يهمّك شأنهم .

155 – (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ) أي فبنقضهم ميثاقهم و "ما" للكثرة والتنوّع نحو قولك "نوعاً ما" أي نوع من الأنواع ، وذلك كقوله تعالى في سورة البقرة {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} ، أي مثلاً من الأمثال . و"ب" سببية متعلّقة بمحذوف وتقديره : لعنّاهم بسبب نقضهم كثرة المواثيق وأنواع العهود1 التي أخذناها عليهم (وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ) التي جاء بها المسيح والتي جاء بِها محمّد (وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء) كزكريا ويحيى وغيرهما (بِغَيْرِ حَقًّ) يعني بغير خطيئة استوجبوا بِها القتل (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) أي عليها غلاف لا تعي كلامك يا محمّد (بَلْ طَبَعَ) أي ختم (اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) فلا تعي وعظاً (فَلاَ يُؤْمِنُونَ) بك يا محمّد (إِلاَّ قَلِيلاً) منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه .

------------------------------------------------

1 [لا يخلو سفر من أسفار التوراة من تكرار العهد عليهم بالتوحيد والعبادة الخالصة لله وترك الأصنام وعبادة الأوثان . –                                                                                   المراجع ]

 

156 – (وَبِكُفْرِهِمْ) ثانيةً بعيسى (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) حيث رمَوها بالزنا (وَقَوْلِهِمْ) مفتخرين (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ) استهزاءً منهم بكلمة "رسول الله" ثمّ بيّن سبحانه أنّهم لم يقتلوه ولم يصلبوه في الحقيقة ولكن جعل الله واحداً شبيهاً له فأخذوه وصلبوه وذلك قوله تعالى (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ) أي في عيسى حيث صلبوا غيره (لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ) أي في شكٍّ من صلبه لأنّهم رأوا عيسى حياً بعد ثلاثة أيام (مَا لَهُم بِهِ) أي بقتله (مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ) أي يتّبعون فيه الظنّ الذي تخيّلوه (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) لكنّهم قتلوا غيره (بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ) بعد موته أي رفع روحه إلى السماء بعد الحادثة بزمن ، وذلك أنّه أفلت منهم فذهب إلى ربوة فبقي فيها يتعبّد لله ولحقته أمّه وبعد زمن مات بأجله فدفِن جسمه في تلك الربوة وصعدت روحه إلى السماء ، والدليل على ذلك قول الله تعالى في سورة المؤمنون {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } ، (وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا) في ملكه (حَكِيمًا) في صنعه ، وقد سبقت قصّة المسيح في سورة آل عمران2.

-------------------------------------------

2 [ومِمّا يؤيّد أنّ الصلب أحاق بغيره قوله [إنّ ابن الإنسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه – في المزامير ككلمتك نجّني – ] أي كما ستنجي المسيح نجّني .                                             المراجع ]

 

159 – (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) يعني ولا واحداً من اليهود الذين أرادوا قتله وصلبه (إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) أي يؤمن بأنّ المسيح لم يُصلَب بل الذي صُلِب كان شخصاً آخر لأنّهم رأوا المسيح حياً بعد الصلب بثلاثة أيام (قَبْلَ مَوْتِهِ) أي قبل موت المسيح لأنّ المسيح مات بعد الحادثة بِمدّة (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ) المسيح (عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) أي يشهد على هؤلاء اليهود الذين أرادوا قتله وصلبه .

160 – (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ) أي اليهود (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ) من المأكل والمشرب (أُحِلَّتْ لَهُمْ) من قبل ، والمعنى بسبب ظلمهم أنفسهم حيث عبدوا العجل وعصَوا أمر ربّهم بامتناعهم عن الدخول إلى أريحا وقولهم لِموسى إذهب أنت وربّك فقاتِلا , حرمناهم طيّبات من المأكل أربعين سنة فلم يأكلوا غير المنّ (وَبِصَدِّهِمْ) الناس (عَن سَبِيلِ اللّهِ) أي عن دين الله (كَثِيرًا) أي كثيراً من الناس ، والمعنى وسنحرمهم من طيّبات الجنّة أيضاً وذلك بسبب صدّهم كثيراً من الناس عن الإيمان بالمسيح وبمحمّد .

161 – (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ) في التوراة (وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) أي بغير استحقاق ، وهو ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام (وَأَعْتَدْنَا) أي هيّأنا (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ) بالرسل (مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) أي مؤلماً موجعاً .

162 – (لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ) أي الثابتون (فِي الْعِلْمِ) بنبوّتك غير متردّدين في أمرك (مِنْهُمْ) أي من اليهود كعبد الله بن سلام وأصحابه (وَالْمُؤْمِنُونَ) من العرب ، يعني المهاجرين والأنصار (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ) من الكتب السماوية (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) أي يوم القيامة (أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ) في الآخرة (أَجْرًا عَظِيمًا) جزاءً على أعمالهم الصالحة .

163 – قالت اليهود لِمحمّد لقد أرسل الله موسى نبياً وأنزل عليه الوحي وكفى . فردّ الله عليهم قولهم وقال لقد أرسل الله رسلاً كثيرين وأنزل عليهم الوحي كما أنزله على موسى فلا تلتفت إلى قولهم يا محمّد (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) القرآن يا محمّد (كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ) وهم أولاد يعقوب (وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) وهو كتاب داوود ، وتسمّيه اليهود "مزامير" جمع مزمور . أليس هؤلاء أنبياء ، وقد أنزل الله عليهم الوحي فلماذا ينكرون نزول الوحي عليك يا محمّد ؟ فما ذلك إلاّ لِجهلهم وعنادهم .

164 – (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) يا محمّد ، أي قصصنا قصصهم عليك (مِن قَبْلُ) أي من قبل هذه السورة (وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي لم نذكر لك قصصهم لا في هذه السورة ولا ما قبلها لأنّ ذلك يحتاج إلى مجلّدات عديدة (وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى) نبيّهم (تَكْلِيمًا) بكلام مسموع غير الوحي ، وذلك في وادي سيناء من شجرة الزيتون ، فكان موسى يسمع الصوت يخرج من الشجرة ، ولكنّ الله تعالى لم يكن في تلك الشجرة بل يرسل الصوت من السماء إلى تلك الشجرة على أمواج الأثير فيخرج الصوت من الشجرة ، كما أنّك تسمع الصوت من الراديو ولكن ّ المذيع في القاهرة أو في مكان آخر بعيداً عنك ، ولا مناقشة في الأمثال ، وقد قال الله تعالى في سورة شورى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ ..الخ} ، فالحجاب هنا كان الشجرة .

166 – ثمّ خاطب الله رسوله فقال إن لم يعترف هؤلاء اليهود بنبوّتك فإنّ الله يشهد لك عند من يشاء هدايته وذلك بالأدلّة والبراهين حتّى يستسلم لأمرك ويؤمن بك ، والملائكة أيضاً يشهدون لك بالإيحاء فيوحون لِمن أحبّه الله بأنّ محمّداً صادق في دعوته وأنًه نبيّ مرسل من الله ولا يزالون يكلّمونه بالإيحاء حتّى يسلم ويؤمن بك . وهذا معنى قوله تعالى (لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ) لك (بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ) من الدين والقرآن وأنّك رسوله (أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ) يعني أنّ الله يعلم أنّك تقوم بأعباء الرسالة فأنزل القرآن عليك (وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ) لك أيضاً عند الناس يالإيحاء (وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا) أي شهادة الله وحدها تكفيك يا محمّد فإنّ الله قادر على هداية الناس جميعاً فلا يهمّك قول اليهود وإنكارهم لنبوّتك .

174 – (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ) أي حجّة يبرهن لكم على أنّ الله واحد لا شريك له ، ويريد بالبرهان محمّداً (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) أي بيّناً وهو القرآن .

175 – (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ) أي تمسّكوا به في الحياة الدنيا ولاذوا به عند الممات (فَسَيُدْخِلُهُمْ) بعد موتهم (فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ) يوم القيامة (صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) أي طريقاً مستقيماً يوصلهم إلى الجنّة لأنّ الجنّة في السماء .

176 بيّن الله تعالى القسمة في أوّل السورة بين الأولاد والآباء في الميراث ، وبيّن بعدها قسمة الميراث بين الأزواج والزوجات ، وبيّن في هذه الآية القسمة في الميراث بين الإخوة والأخوات1 فقال (يَسْتَفْتُونَكَ) يا محمّد ، أي يسألونك الفتوى في حكم الميراث ، وقد سأله جابر بن عبد الله وكان قد حضرته الوفاة وكان له أخوات وليس له أولاد فقال ما أجعل لهنّ من الميراث يا رسول الله ؟ فنزلت هذه الآية (قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ) أي قل الله يبيّن لكم الحكم في قسمة ميراث الكلالة ، ومفردها "كليل" على وزن سليل وسلالة ، فمفرد سلالة سليل ، والكليل معناه العاجز ومن ذلك قول الشافعي :

وعينُ الرضا عنْ كلِّ عيبٍ كليلةٌ          كما أنّ عينَ السخطِ تُبدي المساويا

 (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) أي مات (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) وتقديره ليس له أولاد ولا والد بل له جدّ وجدّة (وَلَهُ أُخْتٌ) واحدة (فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) أخوها من الميراث2 والنصف الباقي لِجدّه وجدّته يقسم بينهما بالتساوي أي ربع لِجدّه وربع لِجدّته 3 ثمّ بيّن سبحانه حكم القسمة عند عدم وجود الجدّ والجدّة فقال (وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ) في قيد الحياة ولا أبوين ولا جدّين ، ففي هذه الحالة يكون الإرث كلّه لأخيها حيث لا يوجد وارث غيره 4 وكذلك لو مات هو وبقيت أخته في قيد الحياة وليس لَه وارث غيرها فالإرث كلّه لأخته ، أمّا إذا كان الجدّان موجودين في قيد الحياة فلأخيها النصف أيضاً والنصف الباقي لجدّيها . ثمّ بيّن سبحانه حكم القسمة إذا كان الورثة عكس ذلك أي إذا كانتا أختين في قيد الحياة مع جدّ واحد فقال (فَإِن كَانَتَا) أي الأخوات (اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ) أخوهما والثلث الباقي للجدّ الذي هو في قيد الحياة (وَإِن كَانُواْ) الورثة (إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء) أي ذكوراً وإناثاً فهم شركاء في الثلثين (فَلِلذَّكَرِ) منهم (مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) أي للذكر حصّتان وللأنثى حصّة واحدة ، والثلث الباقي لأحد الجدّين الذي هو في قيد الحياة (يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ) حكم الميراث (أَن تَضِلُّواْ) يعني أن لا تضلّوا طريق القسمة (وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهو يرشدكم إلى ما لا تعلمونه .

 

  ---------------------------------------------

  1 إيضاح:

 بيّن الله تعالى في آية الكلالة السالفة حصّة الجدّ والد الأب والجدّة من إرث حفيدهما ، وبيّن في هذه الآية حصّة الجدّ والد الأم والجدّة والدة الأم من إرث حفيدهما .

 إيضاح [آخر]:

الجدّ والد الأم له حصّة واحدة من إرث حفيده ، إن لم يكن للميّت جدّ : والد الأب أو الجدّة في قيد الحياة . كما أنّ لابن البنت حصّة واحدة من إرث جدّه . وإنّ الجدّ والد الأب له حصّتان من إرث حفيده . كما لحفيده حصّتان من إرث جدّه لو كان المتوفّى الجدّ وليس الحفيد .

2 هذا إذا لم يكن عنده زوجة ، أمّا إذا مات عن زوجة فلها الربع ثمّ يقسم الباقي كما شرحناه .

3 المراد بالجدّ هنا والد الأمّ وكذلك الجدّة إلاّ إذا فقد الجدّان الأصليّان .

4 هذا إن لم يكن لَها زوج ، أمّا إذا ماتت عن زوج فلزوجها النصف إن كان لها أخ واحد أو والد واحد ، أمّا إذا كان الإخوة اثنين فلزوجها الثلث ولكلٍّ من أخويها ثلث ، ولكن إذا كان لَها إخوة ثلاثة أو أخوين ووالد فلزوجها الربع ولكلٍّ من إخوتِها ربع ولا ينقص من ربع الزوج مهما زاد عدد الإخوة والأخوات والآباء .

 

تمّ بعون الله تفسير سورة النساء

ويليه تفسير سورة المائدة

========================================

 

الصفحة الرئيسية

الصفحة الأولى

سورة الفاتحة

سورة البقرة 1

سورة البقرة 2

سورة آل عمران

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

 

    Man after Death   An Hour with Ghosts   The Universe and the Quran   The Conflict between the Torah and the Quran   الخلاف بين التوراة و القرآن     الكون والقرآن   المتشابه من القرآن   ساعة قضيتها مع الأرواح